محمد زكى-هشام الصافورى - فى جنح الليل، وتحت ستار الدين، تخرج خفافيش الظلام ، توزع الإرهاب هنا وهناك، وتنشر فتاوى الكفر والقتل واستباحة الدماء. بداية من أيمن أنور مترى، المواطن المصرى القبطى، الذى قطعوا أذنه العام الماضى بدعوى نشره للدعارة، وقتل طالب الهندسة أحمد حسين عيد، أثناء سيره مع خطيبته بمدينة السويس، مرورا بهدم ضريح الشيخ زويد بشمال سيناء، وضريح سيدى عبدالرحمن بقليوب، وضريح عبدالسلام الأسمر فى زلتين فى ليبيا، وفتوى هدم ضريحى الإمام الحسين والسيدة زينب، سواء الموجود بالقاهرة أم دمشق أم العراق، وانتهاء بحرق المعهد العالى للفنون فى سوسة، وإشعال النيران فى مقر حزب العمال الشيوعى فى تونس بسبب «لوحة فنية» قيل إنها تهين المسلمين. ناهيك عن فتاوى حرمة انتخاب القبطى والمسلم الذى لا يصلى، والليبرالى الذى لا يتضمن برنامجه تطبيق الشريعة الإسلامية، و إطاعة ولى الأمر، وإن أخذ مالك وجلد ظهرك. سلفية جديدة تؤمن بالعنف، وتغيير الواقع بالقوة، تكفر وتقتل كما تأكل وتشرب، ينتشرون فى الخليج واليمن، وفى مصر يتمركزون فى صعيد مصر وفى سيناء، نشروا الرعب فى كل مكان، واستباحوا الحرمات، وقتلوا الأبرياء. وهؤلاء لا ينتمون إلى السلفيين الحقيقيين المعتدلين المتأسلمين في الأصل كلهم سلفيون فى هذا التحقيق، نغوص فى أفكارهم ونحاور قادتهم، لعلنا نكتشف المزيد منهم. ورغم الانتقادات التى وجهها البعض للتيار السلفى بسبب ضعف مشاركته فى ثورة 25 يناير، فإن الرد كان جاهزا من خلال طروحات التيار التى لا تجيز «الخروج على الحاكم». غير أن الإشكالية ظهرت مع حملات هدم الأضرحة، ودعوات تطبيق الحدود على الأقباط، والتعدى على المتبرجات فى الشوارع، وإعلان الحرب على التيار الصوفى المبتدع، من وجهة نظرهم. ومع ذلك يصر قادة التيار على تبرئة أنفسهم، واعتبار ما يجرى حملة ممنهجة للقضاء على التيار الإسلامى فى مصر. وينفى السلفيون تماماً أى ضلوع لهم فى أى من الاتهامات السابقة، وهم يؤكدون أن الأضرحة فيها مظاهر شركية لأنها ليست خالصة لله، وأن الحدود يجب أن تطبق، ولكنهم يعتبرون أن ذلك من مهمة الحاكم. وفى هذا السياق، يقول الشيخ أحمد يوسف، الأمين العام لجماعة أنصار السنة المحمدية: إن الصراع بين الحق والباطل لن يتوقف، والصراع فى هذه المرحلة يخص الإسلام بشكل أساسى لأن تأثيره كان قوياً فى الفترة الماضية بسبب ما أظهرته نتائج الانتخابات التشريعية. وأضاف يوسف: ما يفعلونه خطأ كبير لأنهم لو عرفوا رحمة الإسلام وتسامحه لعرفوا أن الجميع سيكونون بأمان. وحول اتهام عناصر سلفية بتطبيق الحد على قبطى فى محافظة قنا، بعدما اشتبهوا بأنه يقوم بتسهيل الدعارة، وقامت العناصر المتشددة بقطع أذنيه، فى حادثة أثارت الكثير من التوتر فى المحافظة التى سبق لها أن شهدت اضطرابات مذهبية، قال يوسف: لم يثبت أن من قام بهذا العمل من السلفيين، مؤكدا أن غير المسلم يعيش فى وسط المسلمين بشكل عادي، ونبينا محمد عاش وسط اليهود والنصارى. وأضاف: ولو أن السلفيين كانوا يريدون هدم الكنائس أو قتل النصارى لفعلوا ذلك فى فترة الانفلات الأمنى. أما ملف هدم الأضرحة، فرد عليه يوسف قائلا: موقفنا من الأضرحة واضح، فالإسلام يدعو لتسوية القبور وألا تكون مكاناً للعبادة أو التوسل أو الصلاة. وبالنسبة لنا فإننا ندعو إلى هدم الأضرحة من قلوب الناس، وليس على الأرض، فهذا النوع الثانى من الهدم ليس من مهمة الجمعيات والأفراد، بل هو واجب على الحكومات، هذا هو موقفنا القديم ولم نبدله. وقال المتحدث باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات: إن اتهام السلفيين بهدم الأضرحة، والادعاء بأنهم يريدون فرض الجزية على النصارى أو اللجوء للعنف لتحقيق هدفهم الخاص بإقامة الدولة الإسلامية، جزء من حملة مدبرة من قوى كارهة للإسلام وأخرى راغبة فى ضرب استقرار مصر، وجدت فى السلفية فزاعة جديدة. العنف الديني وتساءل عن تفسير إلصاق كل حوادث العنف الدينى وغير الدينى بالتيار السلفى، رغم أن كثيرين ظلوا لأعوام يتهمون السلفيين بأنهم مهادنون أكثر من اللازم. وأكد الشحات، أن السلفيين كغيرهم من المسلمين العارفين بدينهم يؤمنون بحرية العقيدة لغير المسلمين ويلتزمون بصون حماية أماكن عبادتهم، فكيف لا يلتزمون بذلك مع غيرهم من المسلمين. وذكر بأن السلفيين كانوا كتلة رئيسية فى حماية الوطن ودور العبادة بعد انسحاب الشرطة، فكيف يأتون اليوم ويعتدون على الناس. ويتفق رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشيخ جمال قطب مع وجود حملة تستهدف تشويه صورة السلفيين واستخدامهم فزاعة، لكنه يحمل السلفيين قسطا من المسئولية بسبب خطابهم الدينى المتشدد. وقال قطب إن فلول النظام السابق وكوادر حزبه البائد تلعب بخبث فى الساحة المصرية، مستغلة ظروف الفراغ الأمنى فى محاولة يائسة لتجاوز الثورة والتشبث بالماضي. وأضاف: وضمن هذه المخططات دفعهم بعض المتحمسين من الشباب الذين يدعون انتسابهم للتيار السلفى إلى هذه الأعمال المنحرفة، والسلفية منهم براء. لكن قطب عاب على مشايخ السلفية خطابهم المتشدد، وقال : هناك أخطاء بشعة فى الخطاب الدينى الصادر عن التيار بأكمله، وهم دائما يتأرجحون فى مواقفهم لأنهم يستقون معلوماتهم مجزأة، ولا قدرة لهم على صناعة منهج بضوابطه. وأبدى قطب قلقه من سيطرة السلفيين على الكثير من المساجد واعتلائهم منابر الخطابة بها، وقال : أقلق دائما حينما يتصدى أى إنسان لأى عمل دون دراسة وتخصص. ومن ناحيته قال حمدى حسن، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين: إن حرية الرأى الموجودة فى البلاد بعد الثورة، جعلت جميع الفئات والتجمعات تعبر عن أهدافها وأرائها بشكل واضح وصريح وعلنى، مشيرا إلى أن تصرفات السلفيين ستكون مرفوضة إذا خرجت عن نطاق الدعوة، وعن نطاق الدولة. ولفت حسن النظر إلى أن أزمة السلفيين الأساسية أنهم يتوزعون على جماعات كثيرة ومتفرقة ليس لهم قيادة كبيرة تعبر عنهم، وتابع: الجماعات الإسلامية كثيرة، بعضها على صواب وبعضها على خطأ. وعن الأفكار والفتاوى الغريبة التى يطلقها البعض من الجماعة السلفية مثل وجوب مقاتلة الجيش المصرى وتحريم الفن وهدم الأضرحة. أكد الدكتور محمد إبراهيم، عضو مجلس الشعب المنحل عن حزب النور، وأحد القيادات السلفية بكفر الشيخ، أن الجيش المصرى جيش وطنى، ملك للمصريين، وليس ملكا لأشخاص بعينهم يدافع عنهم وهو منهم، وعن أحداث سيناء قال: كنت أتمنى الحوار الفكرى أولا، لأنه هو الأجدى من حمل السلاح، وهذا لا يمنع أننا ضد مهاجمة الجيش فى أى مكان، لأن من حق الجيش أن يبسط ذراعيه على ربوع الوطن، ويمنع حدوث مثل هذه العمليات سواء كانت خارجية أم من مجموعة داخلية. ويضيف د. إبراهيم بأن التواصل الفكرى مع كل الفرقاء هو بداية معالجة المشكلة، لأن الكل مقتنع بفكره ورأيه، لكن نحن ضد كل أشكال إسالة الدماء التى حرمها الله، وهى أولى من كل شئ، و التعامل مع الأزمة بحكمة، والجيش يجب عليه الحفاظ على أبناء الوطن، وأبناء الوطن يحافظون على الجيش. أما بخصوص الفن والثقافة ورأى السلفية فيها، فيقول الدكتور إبراهيم: علينا الرجوع إلى الأصل، وهى الشريعة الإسلامية، وإلى الأزهر بصفته المؤسسة الدينية والشاملة والجامعة، ونسألهم فيما يتعلق بمثل هذه القضايا التمثيل والأدب والثقافة، وجميع أنواع الفنون لها رؤية معينة، وأى رؤية لا تجيزها الشريعة الإسلامية نرفضها مادامت لا ترضى الله عز وجل. وبخصوص هدم الأضرحة وما حدث من قبل فى الشيخ زويد وليبيا، قال الدكتور إبراهيم: إن الأصل فى الإسلام أنه لا توجد أضرحة، لكن التعامل مع ذلك يجب أن يكون من خلال المؤسسات الدينية فى مصر، كما قلت مثل الأزهر الشريف، ونحن سوف نمتثل لما يقرره ولاة الأمر فى هذه المؤسسات. وعن تعدد الأفكار والرؤى حول السلفية وظهور ذلك فى أحزاب متعددة مثل النور والأصالة والتنمية والبناء والتحرير وغيرها، وتشتيت الفكر السلفى، قال الدكتور إبراهيم: إن أفكار حزب النور واضحة للجميع، وهناك إجماع على أفكاره من السلوم إلى أسوان حتى رفح، وهو حزب يتسق مع نفسه، أما الأسماء الواسعة العامة فلا تؤدى إلا إلى مزيد من عدم الفهم، وعن هل يمكن جميع شمل هذه الأحزاب فى حزب واحد يقول الدكتور إبراهيم إنه قبل الثورة كان هناك تضييق حول الحوار، لكن الآن هناك حوار بين كل الأفكار السلفية يمكن أن يؤدى إلى تقارب فيها، ومع الوقت يمكن التوحد، وبخصوص الانتخابات المقبلة ذكر أنه سوف يكون هناك تنسيق بين الأحزاب السلفية، لأن المصلحة هى التى ستحكم، لأن الاختلاف أو المنافسة يمكن أن تؤدى إلى خسائر، وهذه المسألة محورها المصلحة.