سواكن جزيرة سودانية على البحر الأحمر، والبحر الأحمر بحيرة عربية، لكن أردوغان يحاول استعادة الحلم المفقود ويكتب عليها «سواكن عثمانية» والأشقاء فى السودان قالوا: نعم، هى الآن فى ملكية حفيد سليم الأول رجب طيب أردوغان. وسواكن أو شواخن، أو سواجن، أيا كان عنوانها هى أرض عربية من السودان الشقيق، حصل عليها أردوغان باتفاق ترميم آثار عثمانية، ووافق الرئيس السودانى حسن البشير، وتسلمتها شركة تيكا التركية، وقال أردوغان: سواكن هى محطة الوصول إلى الحج والعمرة للأتراك، ثم توقف وهمس: هناك اتفاق آخر لن نكشف عنه. سواكن هى شفرة العثمانيين الجدد، عاصمة الغازى سليم الأول، جاءها بذريعة محاربة البرتغال، لكنه استقر فيها، وجعلها عاصمة للحبشة العثمانية، ومنطلقا للهيمنة على بوابات البحر الأحمر والمدن الإسلامية المقدسة. والحفيد أردوغان يزورها فى معية الرئيس البشير، ويتخذها عتبة للقفز فى بحر إفريقيا، ويكتب تغريدات باللغة العربية فى محبة إفريقيا، تماما كاللورد الإنجليزى حين يقود جيشه لغزو البلاد والعباد فيخطب فيهم بلغة عربية فصيحة. فى الخرطوم قال إنه وقع مع السودان الشقيق 22 اتفاقية اقتصادية وغير اقتصادية، وهذا حق للأشقاء السودانيين لا ينازع فيه، فلكل دولة مصالحها الإستراتيجية، ولكننا نتساءل عن شفرة الحملة الأردوغانية فى شرق إفريقيا، فقد اصطحب معه 200 من رجال الأعمال، وحصل على جزيرة سواكن باعتبارها إرثا عثمانيا عزيزا، وكأنه يقود حملة استكشاف جديدة. تصريحات أردوغان ذكرتنى بوصوله إلى القاهرة فى سبتمبر 2011، كان كالحلم الطائر بعد أحداث يناير، وذكرتنى بزيارته التالية، وخطابه فى جامعة القاهرة فى نوفمبر 2012، وكأنه حامل مفاتيح الأحلام بالرخاء تحت ظل الخلافة، فقد كان فى معيته أيضا 200 من رجال الأعمال، وبضع أوراق لكتابة الاتفاقيات، تماما كالذى جرى فى الخرطوم. أليس غريبا أن يجتمع قادة الأركان من قطر والسودان وتركيا على هامش زيارة أردوغان فى الخرطوم، وما علاقتهم بأمن البحر الأحمر؟ أليس غريبا أن يكون مسار رحلة أردوغان هو السودان وتشاد وتونس، هو نفسه المسار الذى طار فيه أردوغان عام 2011، مع تغيير طفيف هو أن حلت الخرطوم محل القاهرة، وتشاد بدلاً عن ليبيا؟ لا يتوقف أردوغان عن أحلام 2011، فقد زار المنطقة فى ذلك الوقت، بوصفه قائدا للتغييرات الدرامية التى أصابت بعض دول الإقليم العربى، فاستقبلته الجماهير فى مطار القاهرة وهى ترفع صور العثمانى(المودرن). فهل هناك حنين للعثمانية الجديدة، أم أننا نبالغ فى فك شفرات ما جرى فى سواكن السودانية؟ وهل هناك شفرة فى حاجة إلى الحل؟ الإجابة عن هذه الأسئلة هى: لا .. لا توجد شفرة، بل هو حلم علنى فى الظهيرة، تكفَّل بتفسيره فيدان حاقان، رئيس المخابرات التركية، ثعلب أردوغان، فحاقان خطب فى مؤتمر حاشد فى حضور أردوغان، وقال بحماسة شاعر مداح: نحن كنا محظوظين لأن القدر جعله قدوتنا، ليس لنا فقط، بل العالم نفسه اتخذ منه القدوة! فهو هدية التاريخ لنا، أى رجب طيب أردوغان، ومن فرط حماسة حاقان وفر على المحللين السياسيين الوقت والجهد وممارسة مهنة التحليل، فهتف علنا: سنربى عام 2023 آلافا من أردوغان، وفى عام 2053 سنربى السلطان محمد الفاتح، وحتى عام 2071 سنربى آلافا من آلب أرسلان، ثم يصل إلى كشف صوفى كامل وهو يعترف: إن أحفاد العثمانيين سيكونون قادة الدنيا من جديد. كان أردوغان يستمع إلى حاقان بنشوة، دمعت عيناه، استعرض الجماهير الحاضرة التى وعدته بمواصلة المسيرة، وأقسمت بالدفاع عن رسالته المعجزة أمام القوة العاتية! لا كلام بعد حاقان، ولكن التاريخ لا يتكرر يا حاقان، وإذا تكرر، فالمصادفة ستكون باهتة، وسواكن سودانية، والبحر الأحمر سيبقى بحيرة عربية.