ودع المهرجان السينمائى الدولى للأفلام الفرانكوفونية فى نامور واختصاره «فيف FIFF» ضيوفه الذين حضروا فاعليات دورته رقم 32، بعدما احتفى بمجموعة جديدة من الإبداعات الفنية من أنحاء الكرة الأرضية.حيث عرض 140 فيلما ما بين الطويل الروائى والوثائقى والقصير للعرض، مع الحفاظ دوما على قيم المهرجان فى إعطاء مساحة للإنسانية وتقديم نماذج متنوعة من البشر والتأكيد على التواصل بين الشعوب. أقيم المهرجان البلجيكى فى الفترة من 29 سبتمبر الماضى حتى 6 أكتوبر الجارى، وهو يعتمد على الدول الناطقة بالفرنسية ومن بينها دول عربية. وفاز الفيلم الفرنسى البلجيكى الروائى الطويل «كلب Chien» بجائزة بايار الذهبية، وهو يتناول فكرة رجل فقد زوجته وعمله ويعانى من مأساة إلى أن يتعرف إلى رجل لديه محل لبيع الحيوانات، واقتناء الحيوانات الأليفة باتت من الأشياء المهمة فى حياة الغربيين.
العشرية السوداء وأخواتها
يركز المهرجان على مشاعر الحزن مما جرى فى الماضى والقلق على ما هو آت فى المستقبل، ولا تزال فترة الصراع الدامى المعروفة باسم «العشرية السوداء» فى الفترة من 1991 إلى 2002 تلقى بظلالها الثقيلة على الجزائريين، وشهدنا خلال هذه الأيام جدلا حول عرض فيلم وثائقى بعنوان «حتى لا ننسى» عن هذه المذابح فى التليفزيون الجزائرى فى ذكرى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذى قدمه الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة وتم الاستفتاء فى 29 سبتمبر 2005، وفى مهرجان نامور شهدنا عرض فيلم «فى انتظار عصافير الجنة En Attendant les Hirondelles» من نوعية الدراما ويتناول قصة ثلاث شخصيات جزائرية من أجيال مختلفة وعليهم اتخاذ قرارات مصيرية فى حياتهم، الفيلم من إنتاج فرنسى بالاشتراك مع الجزائروألمانيا وقطر، للمخرج كريم موساوى. ويبدو الفيلم غير منطقى لكنه يتطرق فى إحدى هذه القصص للجانب المؤلم من ذاكرة الجزائريين، حول سيدة تعرضت للاختطاف والاغتصاب على يد الإرهابيين فى الجبل، وتجئ للمدينة وتتهم أحد الأطباء بأنه كان أحدهم برغم أنه أيضا كان مخطوفا وأجبروه على علاج بعض المصابين، وعندما يذهب ليواجهها تعترف له أنه برىء لكنها أنجبت طفلا وتريد أن تعطيه اسمه، يفاجأ الطبيب بهذه القصة لا سيما أنه يستعد للزفاف، لكنه يظل يفكر فى هذه السيدة ويعود إليها مرة أخرى على الأقل حتى يساعد ابنها الذى يعانى من مشكلة صحية! ونشاهد أيضا فى الفيلم الذى يجمع بين الوثائقى كجانب واقعى، والروائى كجانب خيالى بعنوان «تحقيق فى الجنة Une Enquête au Paradis» للمخرج الجزائرى مرزاق علواش من إنتاج جزائرى فرنسى، الذى يعود للفكر الجهادى ليحاول فك شفراته، من خلال صحفية جميلة وفضولية تقوم بإجراء تحقيق عن وجهة النظر السائدة فى المجتمع حول مفهوم الجنة فى الآخرة، ومدى تأثير مشايخ الفضائيات على بلورة هذه الفكرة لدى الجمهور، ونتعرف على نماذج مختلفة من المجتمع تقدم آراءها، كما تتم المقارنة بين الفكر المتشدد وبين الفكر المعتدل الذى يدعو للتوازن والتنافس وعمل الخير فى الدنيا للفوز بالآخرة. وتركز الصحفية على مصطلح «الحور العين» الذى يستخدمه المتشددون للدعوة للجهاد.
ويمتد موضوع الإرهاب لأوروبا من خلال فيلمين وثائقيين هما:»مولنبيك جيل عرقى؟Molenbeek Génération Raciale» من إنتاج فرنسى بلجيكى ومن إخراج شرقى الخروبى، وهو يتحدث بموضوعية عن الحى البلجيكى الشهير الذى ربما كنا نود معرفة معلومات حوله بعدما أصبح حديث وسائل الإعلام فى العالم بعد هجمات باريس ثم بروكسل فى العامين الماضيين، ويعرض الفيلم فكرة «الجيتو» الذى يعيش فيه المهاجرون وغالبيتهم من المغاربة والمشاكل التى يواجهونها، لا سيما البطالة، ويرى أن الأجيال المهاجرة الأولى فى فترتى الخمسينيات والستينيات لم تعان من مشكلة الهوية لأنها بالفعل جاءت بخلفية ثقافية راسخة وبهدف المشاركة فى بناء مجتمع جديد، أما المشكلة الآن فهى مع الجيل الذى ولد فى أوروبا ويعانى من عدد من المشكلات، منها انحدار مستوى التعليم والثقافة، ومنها عدم معرفة هذا الجيل بالإسلام، ومن بينهم من لم يذهب يوما للمسجد لكنه قرر السفر إلى سوريا من أجل «الدفاع عن الإسلام»! وعلى العكس فالفيلم الثانى متحيز ويحمل عنوان «لا شىء يُغفر Rien n'Est Pardonné» من إنتاج بلجيكى وهو يتناول جزءا من حياة الصحفية المغربية زينب الغزوى التى نالت انتقادات واسعة، والتى عملت فى مجلة «شارلى إبدو» ونجت من المذبحة الشهيرة فى 2015، وفى نقاش بعد عرض الفيلم وعندما حاول بعض الطلبة الحاضرين انتقاد الفيلم لأنه يركز على وجهة نظر واحدة، دافع جيوم فاندنبرج عن وجهة نظره، وفى نفس الوقت قال إنه يحترم الإسلام! وما بين المعاناة فى الشرق الأوسط والانتقال للضفة الأخرى من المتوسط، لا يخلو المهرجان من أفلام الهجرة غير الشرعية التى تمثل الحلم بالمستقبل، لكنه لا يصل دوما لبر الأمان، كما فى الفيلم الروائى الطويل «بنزين Benzine» من إخراج سارة عبيدى وإنتاج تونسى حول أب وأم يفتقدان ابنهما الذى هرب إلى إيطاليا ولم يصل منه أى خبر. والفيلم القصير «سلامات من ألمانيا Salamat from Germany» من إنتاج لبنانى فرنسى، حول شاب لبنانى يقوم بتزوير أوراقه لكى يصبح لاجئا سوريا ويستطيع الهرب إلى أوروبا!
عيد العشاق وسط موجة من الأفلام المعقدة خصوصا الأفلام الأمريكية التى أصبحت تستلزم مجهودا ذهنيا من المشاهد لمتابعة أحداثها، نفاجأ بأننا أمام نوعية رومانسية عذبة ومذهلة، مثلما فى الفيلم الفرنسى «ميم M» سيناريو وإخراج وبطولة الفرنسية سارة فورستييه التى شاهدناها قبل ذلك فى فيلم عن الرواية الشهيرة «العطر قصة قاتل»، ورضوان حرجان الذى يتخلى قليلا عن طابعه الكوميدى.
وفيلم «وليلى Voulubilis» وهو اسم مدينة أثرية مغربية، نتعرف أيضا على قصة حب ملتهبة، لكنها بين الزوج الطيب عبد القادر وزوجته الجميلة مليكة وهما يعيشان مع أسرة الزوج الفقيرة وبسبب مشكلة تزداد ظروف الأسرة المهمشة سوءا، الفيلم من إخراج فوزى بن سعيدى وهو من إنتاج مغربى فرنسى قطرى مشترك.