- أمريكا ترفع شعار (أمريكا أولا) وتقلل عملياتها فيما وراء البحار وتركز على الإصلاحات الاقتصادية داخليا - روسيا الفائز الأكبر عام 2017 لتحل محل أمريكا فى المسرح الدولى - صعود اليمين المتطرف والشعبوية و الانكفاء على الذات فى أوروبا والبحث عن بدائل للأمن والاقتصاد بعيدا عن أمريكا ورفض المهاجرين - الشرق الأوسط مسرح للصراعات الدينية ومجال لمساومات بين قوى إقليمية جديدة (روسيا – إيران – إسرائيل- تركيا) - إسرائيل ستكون مطلقة اليدين بلا رادع ونسيان القضية الفلسطينية - ضعف تنظيم داعش عسكريا وسياسيا بينما يحل تنظيم القاعدة محله على المسرح السياسى - الصين واليابان فرسا رهان فى سباق القوة فى آسيا "الشعبوية والاضطرابات الدينية والانكفاء على الذات يحكم مصير عالمنا فى 2017، فكل دولة تواجه مشاكلها بنفسها ونسيان القضية الفلسطينية وتراجع داعش وصعود القاعدة فى عالم مضطرب، قدم مركز ستاتفور الأمريكى للأبحاث السياسية والإستراتيجية صورة بانورامية لأهم الأحداث المتوقعة فى عالمنا لعام 2017 حيث تسود العالم اضطرابات سياسية واقتصادية وعسكرية وتغير فى موازين القوى وانحسار الدور الأمريكى كدولة عظمى ومحاولة روسيا مع دول أخرى أن ترث هذا الدور فى مناطق عدة من العالم وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط. أمريكا أولا توقع التقرير أن الولاياتالمتحدة التى ظلت تصارع طوال التسعينيات من أجل عالم تحكمه أحادية القطب تسيطر هى على مقدراته لن تصبح أهم قوة فى العالم، ولكن ستظهر قوى منافسة لها سياسيا واقتصاديا وستنكفىء على ذاتها لترفع شعار (أمريكا أولا) وبدلا من ممارسة دورها كقوة عظمى بالتورط فى عمليات وراء الحدود ستقلل من النفقات لدعم إصلاحات اقتصادية لمواجهة مشاكلها الاقتصادية، وستحل روسيا تدريجيا محلها على المسرح الدولى لتملأ الفراغ . أما العالم الغربى (أوروبا) الحليف التقليدى لأمريكا فستظل تعانى من الأزمات الاقتصادية مع تمزق الاتحاد الأوروبى وما يتبعه من صعود اليمين المتطرف والمتاعب الأمنية الناجمة عن تراجع الولاياتالمتحدة عن التزامها بأمن حلف الناتو ومعاهدة التجارة الدولية، وبحثها عن بدائل لأمريكا للحفاظ على الأمن والاقتصاد وستعانى من تسلط روسيا على العالم مع تراجع الدور الأمريكى. أما منطقة الشرق الأوسط فسوف تشهد منافسة بين القوى الإقليمية الرئيسية تركيا وإيران، بينما تلعب روسيا دورا كبيرا فى المساومات والمفاوضات فى سوريا والعراق وليبيا لتصبح المنطقة مسرحا واسعا للصراع الدموى بسبب الصراع السنى - الشيعى الذى تؤججه القوى العالمية لتفتيت المنطقة، خصوصا بعد أن قررت واشنطن تقليل وجودها فى الشرق الأوسط ليتحمل كل طرف مسئولية أمنه بمفرده. وفى الخليج العربى سوف تتعافى أسعار النفط تدريجيا، ولكن ستحاول دول مجلس التعاون الخليجى الالتفاف حول خسائر هبوط أسعار النفط بإجراءات اقتصادية تمكنها من تنويع مصادر الثروة، بحيث لا تعتمد على النفط تماما مع الالتزام بإصلاحات اقتصادية داخليا. أما على الصعيد الأمنى فسوف يستمر تكاتف دول المجلس لمواجهة التحديات الأمنية التى تتمثل فى مواجهة تمدد النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط إما بتحالفات ضدها مع تركيا وبدعم الجماعات المقاومة للحكم الشيعى فى سوريا والعراق واليمن. وجاء فى تفاصيل التقرير السنوى لستاتفور فى كل منطقة على حدة توقعاته لمجريات الأحداث كما يلى: منطقة الشرق الأوسط فى مصر سيحاول النظام المصرى انتهاج سياسة خارجية مستقلة عن المصالح السعودية وفى نفس الوقت إيجاد شركاء اقتصاديين غير السعودية لجذب الاستثمارات والتمويل الأجنبى لمصر التى تعانى من الأزمات الاقتصادية الطاحنة. وبعد موافقة مصر على شروط صندوق النقد الدولى لتحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية للحصول عى قروض من البنك، فمن المتوقع فى عام 2017 أن تستمر الحكومة المصرية فى سن قوانين لإجراء إصلاحات هيكلية فى الاقتصاد المصرى تتعلق بتخفيض مرتبات القطاع العام وزيادة الضرائب، لكن نجاح هذه الإجراءات سيكون متواضعا نسبيا لما له من آثار مؤلمة على قطاعات عريضة من الشعب الذين يعيشون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وفى ليبيا سوف يستمر نزيف الدم فى الحرب الأهلية بين المليشيات الليبية المتصارعة المؤيدة للمعارضة وبين قوات الجنرال خليفة حفتر دون نصر أو هزيمة نظرا لاستمرار الحرب الوكالة فى البلد الغنى بالبترول، وتدخل أطراف خارجية فى مد الجانبين بالسلاح لأن انتصار أى فريق يعنى ببساطة فوزه بكعكة البترول كاملة. وفى سوريا والعراق لن يتغير المشهد كثيرا، حيث ستظل المواجهات العسكرية ضد داعش لإضعافها عسكريا وسياسيا ولكنها ستظل موجودة كقوة إرهابية وستجند أتباعا، ولكن من المتوقع أن تحل القاعدة محل داعش فى المستقبل. إسرائيل عام الفرص والتحديات مع سيطرة الجمهوريين على السلطة فى الولاياتالمتحدة ستطلق يد إسرائيل فى المنطقة، وبالتالى ستزيد من إنشاء المستوطنات فى الضفة الغربية على حساب الفلسطينيين وستلعب مع كل الأطراف الإقليمية الجديدة (روسيا - إيران - تركيا ) لزيادة نفوذها فى المنطقة وستنسى بالتدريج القضية الفلسطينية فى ظل الصراعات الدينية، ولن تقلق إسرائيل إلا من قوة حزب الله فى لبنان لما تمده به إيران من الدعم والعتاد. أمريكا وعقلية رجل الأعمال بعد تولى الرئيس الأمريكى الملياردير دونالد ترامب السلطة فى الولاياتالمتحدة فإنه سيحاول تحقيق وعوده للناخبين بإجراء إصلاحات اقتصادية وتوفير الوظائف ووقف الهجرة إلى بلاده، وبالتالى فإن واشنطن ستحاول أن تقلل من نفقات تورطها خارج حدودها فى أى عمليات عسكرية وتقليل التزاماتها فيما وراء البحار، وتركز مسئوليتها على أمن الولاياتالمتحدة ودعم التنافسية فى الاقتصاد. وبرغم اقتناع الرئيس السابق أوباما بهذه النظرية فإنه كان يعتقد بضرورة الحفاظ على الأمن الجماعى للغرب (أمريكا وأوروبا ) والحفاظ على معاهدة التجارة العالمية، فإن ترامب يرى أن المؤسسات الغربية الكبرى مثل حلف الناتو ومعاهدة التجارة العالمية مجرد أنظمة معيبة وتضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية، بل من الأفضل تقليل النفقات الأمريكية الناتجة عن الانتشار الأمريكى فيما وراء الحدود، ولكن هذه الانكفاءة ستحدث تدريجيا حتى لا ينهار النظام الدولى فجاة. ومعنى انسحاب أمريكا من النظام الدولى يعنى فرصة ذهبية لزيادة النفوذ الروسى فى أوروبا، ولذلك سيحاول ترامب نخفيف حدة العقوبات الغربية الاقتصادية على روسيا كما سيحدث تعاون من قبيل المساومات والصفقات فى مناطق مختلفة من العالم، كما هو الحال فى سوريا والعراق لكن دون أن تترك الساحة خالية تماما أمام روسيا. تفتت أوروبا: كل يحمل صليبه على ظهره يعد عام 2017 بداية لتفتت الاتحاد الأوروبى بعد خروج بريطانيا مما يعنى عودة أوروبا إلى مفهوم الدولة القومية والأمن الفردى، وكل دولة تحمل مسئولية نفسها أمنيا واقتصاديا بعد تراجع واشنطن عن التزامها بأمن الدول الغربية، من خلال حلف الناتو وظهور القومية والشعوبية مع صعود اليمين المتطرف فى الانتخابات المقبلة. وهذه التغيرات السياسية ستنعكس على شكل انخفاض النمو الاقتصادى وارتفاع نسبة البطالة، كما ستواجه دول منطقة اليورو زيادة نسبة المديونية وضعف قطاع البنوك وزيادة التشاؤم بشأن قوة الاقتصاد القائم على اليورو. ولعل أهم المخاطر المقبلة صعود اليمين المتطرف فى دول مثل فرنسا - ألمانيا - إيطاليا التى لديها استحقاقات انتخابية مقبلة خلال عامى 2017 - 2018، وسواء سيطر اليمين على حكومات هذه الدول أو تقاسم السلطة مع اليسار فإنه سيكون صاحب النفوذ الأكبر على قرارات زعماء هذه الدول مما يعنى أن تفتت أوروبا أمر لا رجعة فيه. وعلى الصعيد الأمنى ستواجه أوروبا خطرين أساسيين الأول: أمنيا وذلك نتيجة لتراجع أمريكا عن دعمها لأمن أوروبا فى النظام الدولى الجديد، مما يعنى أن على كل دولة أن تبحث عن بديل أو شركاء آخرين حتى لا تصبح هشة أمام قوة روسيا، وسوف تلجأ الى تحالفات فيما بينها أو تقديم بعض التنازلات لتحسين علاقاتها مع موسكو حتى لاتنجرف أمام التيار. والخطر الثانى: الإرهاب والمهاجرين، حيث ستظل دول أوروبا تتعاون فيمابينها لمواجهة العمليات الإرهابية المقبلة من الشرق الأوسط واستخدام قدراتها وتشديد كل القوانين لمنع الهجرة وتدفق اللاجئين إلى بلادها بسبب الحروب الدائرة فى المنطقة ذاتها حتى لا تتضاعف أزماتها الاقتصادية سواء بترحيل المهاجرين لديها أو منع قدوم آخرين. وستلجأ إلى التعاون المشترك لأمن الحدود مع إيطاليا واليونان لوقف تدفق اللاجئين إليها. روسيا: عام سعيد تعتبر روسيا الفائز الأكبر فى عام 2017 لأنها سوف تستغل التغيرات الدولية لتوسيع نفوذها فى النظام الدولى وعودة الإمبراطورية الروسية إن أمكن على النحو التالى: - بعد تراجع أمريكا من الساحة الدولية تصبح روسيا أكثر قدرة لملء الفراغ الإستراتيجى عن طريق استغلال ضعف الاتحاد الأوروبى بالضغط على دولة، وعلى واشنطن لتخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية ضدها بسبب حربها ضد أوكرانيا وتعزيز نفوذها فى منطقة القرم. - جذب الدول التى لا يمكنها الوقوف فى وجه روسيا وحدها لتشكيل تحالفات تزعزع من الاتحاد الأوروبى بعد أن فقد حليفته الكبرى الولاياتالمتحدة. - تصبح روسيا اللاعب الأكبر فى مناطق الصراع على العالم كما هى الحال فى سوريا والعراق، بحيث لن تتم أية صفقات أو تسويات فى هذه المناطق إلا بتقديم تنازلات أو تحقيق مصالح لها باختصار ستكون روسيا إما صانعة سلام أو صانعة الحرب، وعلى استعداد لأى صفقات مع أمريكا وغيرها من القوى الإقليمية فى هذا الصدد على حساب وحدة هذه الأراضى. تركيا - إيران قوى جديدة فى الشرق الأوسط تتنافس تركيا وإيران على النفوذ فى الشرق الأوسط كقوتين إقليميتين بجوار إسرائيل، ويلاحظ زيادة الصراع بين تركيا وإيران باعتبار تركيا زعيمة العالم السنى وإيران زعيمة العالم الشيعى فى المنطقة، وستحاول كل واحدة زيادة نفوذها فى مناطق سوريا والعراق. وعلى الرغم من انشغال إيران فى الانتخابات الرئاسية فى مايو المقبل فإنها ستعقد تحالفات قوية مع روسيا لتستفيد من ضغوط موسكو على واشنطن لاستمرار الاتفاق النووى ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. ومن جانبها فإن واشنطن التى لا تريد مزيدا من التورط فى عمليات عسكرية خارج أراضيها، فلن تبادر بخرق الاتفاق طالما أن إيران ملتزمة به. ومن جانبها تحتاج إيران إلى رفع العقوبات للاستفادة من عائدات النفط الإيرانى، وبالتالى فإن الجانبين لا يفضلان حدوث أى مواجهات فى مضيق هرمز لأن هناك مصالح مشتركة من استمرار الاتفاق النووى. مجلس التعاون الخليجى مع تعافى أسعار النفط بعد الخسائر الكبيرة للدول المنتجة فى الأعوام الماضية، ستحاول دول مجلس التعاون الخليجى مواجهة انخفاض الأسعار بتحويل نمط الاقتصاد من الاقتصاد المعتمد على النفط إلى اقتصاد متعدد المصادر حتى لا تنهار اقتصاداتها تبعا لأسعار النفط فى الأسواق العالمية. وعلى سبيل المثال ستطرح السعودية أسهم شركة (آرامكو) للخصخصة، وستزيد من المشروعات المرتبطة بتصنيع وليس بإنتاج النفط مثل التكرير والصناعات البتروكيماوية. وعلى غرار السعودية ستقوم الكويت والإمارات باعتماد الاقتصاد متعدد المصادر وستتجهان أكثر للمشروعات التكنولوجية. وعلى الصعيد السياسى سيتحد مجلس التعاون الخليجى لمواجهة خطرين رئيسيين: مواجهة خطر تمدد النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط على حساب الدول الخليجية. وتعزيز مواقف مشتركة بشأن الأزمة فى اليمن. التعاون الأمنى المشترك لمواجهة العمليات الإرهابية على يد الجهاديين من داعش والقاعدة. أما فى شمال إفريقيا فإن السعودية، بوصفها زعيمة لمجلس التعاون الخليجى ستدعم دول شمال إفريقيا اقتصاديا وأمنيا فى مقابل أن تدعم مصالحها ومواقفها فى سياستها الخارجية فى مناطق مثل اليمن وسوريا. منظمات إرهابية: القاعدة تحل محل داعش مع تزايد الحملات العسكرية للحلفاء ضد تنظيم الدولة داعش فى سوريا والعراق سيضعف التنظيم عسكريا وسياسيا ولكنه سيظل كقوة إرهابية ذات نفوذ فى المنطقة، لأن الصراع الدولى الدائر فى البلدين سيعزز الصراع الطائفى لذلك ستجد أرضا خصبة فى الكثير من المناطق. ومع ضعف داعش سيرحل الكثير من أتباع التنظيم من أصول غربية إلى أوطانهم محملين بنفس الفكر، الأمر الذى من شأنه توقع حدوث هجمات إرهابية على العواصم الأوروبية عام 2017 . وفى نفس السياق من المتوقع أن يقوم تنظيم القاعدة الذى خفض حجم عملياته أخيرا ليعيد بناء نفسه بعد الضربات القاسية التى تلقاها على يد المخابرات الأمريكية والغربية، أن يحل محل داعش فى العمليات المقبلة فى الشرق الأوسط، خصوصا أن له فروعا تحت أسماء مختلفة فى ليبيا - الجزائر - تونس - مصر – مالى – اليمن – السعودية. والأخطر أن عمليات القاعدة سوف تتسم بالتقنية العالية وأقل تعقيدا، لأن خبراتها فى العمليات السابقة سواء فى إندونيسيا وبنجلاديش جعلتها أكثر حرفية وسرعة فى استهداف الأماكن المطلوب ضربها. الصين واليابان فرسى رهان وفى آسيا ستظل الصين محور القوة فى المنطقة كما سيظل الاقتصاد هو محور اهتمامها وقوتها فى العالم. وسوف تسعى الصين إلى تحويل نمط اقتصادها من الاقتصاد القائم على الصادرات الأقل تكلفة والمشروعات الحكومة للبنية الأساسية إلى نمط اقتصاد الاستهلاك كدافع للمزيد من النمو الاقتصادى. وبالطبع فإن هذا التغير يستلزم نظاما سياسيا قويا لإحداث التغييرات الاقتصادية المطلوبة، لذلك فإن نجاح هذا التحول يعتمد على مدى سيطرة رئيس الوزراء لى بنج على الحزب الشيوعى الحاكم من خلال إحكام قبضته على اللجنة المركزية للحزب من ناحية واستخدام سلاح مكافحة الفساد لإقصاء معارضيه من ناحية أخرى. وسياسيا تسعى الصين لممارسة ضغوطها على الدول التى تعتبرها فناءها الخلفى مثل تايوان وهونج كونج لحل مشاكلها الاقتصادية من جانب وبسط نفوذها السياسى فى آسيا من جانب آخر. وفى المقابل ستظل اليابان هى المنافس الأكبر للصين فى آسيا وستحاول اليابان عقد اتفاقات سياسية مع روسيا لكبح جماح الصين، كما تسعى للحصول على تأكيدات أمريكية للوفاء بالتزاماتها الأمنية للوقوف فى وجه الصين كقوة اقتصادية وسياسية.