المتحدث الرسمي ل «قرا» : ما كتبه الوزير مجرد تكهنات قائمة على معتقداته وتحليلاته الشخصية الخارجية المصرية : لا دولة فلسطينية على الأراضى السيناوية
ثمة أخبار وأحداث وشائعات توالت خلال عدة أيام فقط، تبرهن على وجود خطة صهيو أمريكية لوأد حلم تدشين الدولة الفلسطينية، وتشويه قاهرة المعز أمام المجتمع الدولي وإحراجها أمام الشعب الفلسطيني، بالتوازي مع ازدياد سرعة قطار التطبيع العربي الإسرائيلي! ما بين الإعلان الصهيوني عن اللقاء السري بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو، ومكوث السفير الصهيوني بالقاهرة في بلاده منذ نهاية العام الماضي، وتصريح نائب وزير إسرائيلي بموافقة السيسي على إقامة دولة فلسطينية في سيناء، توالت ردود الأفعال المصرية والدولية ما بين مؤيد ومعارض؛ يعزى الهدف منها هو دق إسفين بين مصر والفلسطينيين لا يخدم سوى العدو الصهيوني، وتشويه صورة القاهرة! البداية، كانت مع تغريدة أيوب قرا، وزير بلا حقيبة بالحكومة الصهيونية، قال فيها : «إن ترامب ونتانياهو سيتبنيان خطة الرئيس السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزةوسيناء بدلا من الضفة الغربية، وهذه هي الطريقة التي ستمهد الطريق إلى السلام بالاتفاق مع الائتلاف السُني»، وهي التغريدة التي كتبها، في الرابع عشر من شهر فبراير الماضي، أي أثناء زيارة رئيس وزرائه، بنيامين نيتانياهو، للعاصمة الأمريكية، واشنطن، وقبيل لقائه بالرئيس دونالد ترامب، في الخامس عشر من الشهر نفسه، أي بمعنى أن قرا يمهد الطريق للعالمين، العربي والإسلامي، بأن الدولة الفلسطينية ستقام في سيناء، وأنه الحل الوحيد للشعب الفلسطيني! خرج المتحدث الرسمي للوزير قرا، ليؤكد أن ما كتبه قائده مجرد تكهنات قائمة على معتقداته وتحليلاته الشخصية، ولا تعبر عن السياسة الخارجية للكيان الصهيوني، فيما نفت وزارة الخارجية المصرية نية السيسي بناء الدولة الفلسطينية على الأراضي السيناوية، قائلة إنها مجرد شائعات، مؤكدة أن هناك أسسًا تتحرك عليها مصر لبناء الدولة الفلسطينية. لينفي بعدها نيتانياهو نفسه تصريحات قرا، بعيد لقائه بترامب، مؤكدًا أنها غير صحيحة، كون هذه الفكرة لم تطرح ولم تبحث بأي شكل من الأشكال، على اعتبار أن مصر طرفًا مهمًا في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط! وهو ما طرحه «بيبي» أثناء مؤتمر صحفي إبان عودته من واشنطن!
السفير الإسرائيلي بالقاهرة ما إن انتهينا من هذه التغريدة، وبعيد ساعات فقط من كتابتها، خرجت علينا صحيفة «هاآرتس» العبرية، في التاريخ نفسه (الرابع عشر من شهر فبراير الماضي)، لتذكر أن سفير بلادها في مصر، الدكتور ديفيد جوبرين، غادر إلى الكيان الصهيوني منذ نهاية العام الماضي، ولم يعد إلى مقر عمله بالقاهرة منذئذ، ولكنه يباشر عمله من مدينة القدسالمحتلة، بزعم أسباب أمنية، وخشية على نفسه، دون ذكر أية تفاصيل، وهو ما أكده الموقع الإخباري «واللا « بعدها بساعات، مدعيًا أن مصر شهدت فى الأعوام الماضية الكثير من العمليات الإرهابية، وأن سفير الكيان يخشى على نفسه منها! الغريب أن السفير الإسرائيلي نفسه مكث في مصر طيلة الأشهر الماضية وتحديدًا منذ توليه منصبه، في إبريل من العام الماضي، وكان يروح ويغدو بكل أريحية، ودون أية مضايقات أمنية، بل إنه زار مدينة الإسكندرية وتجول فيها يومين متتاليين، في يوليو من العام الماضي، دون أية متاعب أو مشاكل أمنية تذكر، سوى مرحلة التأمين العادية والروتينية، وهي الزيارة التي تنقل خلالها في مكتبة الإسكندرية وافتتح معبد النبي إلياهو، ما يعني أن تخوفه على روحه ليس له معنى، كما أن من سبقه من سفراء صهاينة في القاهرة لم يهربوا مثله إبان الفترات الانتقالية التي مرت بها مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، فما الداعي لهروب السفير من مصر في هذا التوقيت، ولماذا لم يُعلن عن سفره في حينه؟! ما إن انتهى الحديث عن حوار أيوب قرا وعودة السفير الصهيوني إلى بلاده، خشية على روحه «المقدسة»، وبعيد أيام فقط من لقاء نيتانياهو بترامب في البيت الأبيض، وما خرجت به القمة من تداعيات على الأمتين، العربية والإسلامية، فيما يتعلق بوأد حلم إقامة دولة فلسطينية، ومحاولة الإبقاء على هضبة الجولان السورية المحتلة تحت السيادة الصهيونية بشكل شرعي ودولي، وبعد الاتفاق الصهيو أمريكي على أن إيران لا تزال تمثل «محراك شر»، خرجت علينا صحيفة «هاآرتس» العبرية، في التاسع عشر من الشهر الماضي نفسه، بخبر القمة السرية بين الرئيس السيسي ونيتانياهو ومعهما العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، في الواحد والعشرين من فبراير من العام الماضي، في مدينة العقبة الأردنية. فحوى اللقاء السري استعراض كيري لمبادرة سلام إقليمية، تشمل الاعتراف بالعدو الصهيوني «دولة يهودية»، واستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بدعم الدول العربية السُنية، في حين امتنع نيتانياهو عن الرد على مبادرة وزير الخارجية الأمريكي، بزعم صعوبة حصوله على تأييد أغلبية داخل ائتلافه الحكومي المتطرف، برغم أن هذه القمة استغلت داخليًا في إجراء محادثات بينه ويتسحاق هرتزوج رئيس «حزب المعسكر الصهيوني»، حول انضمام الأخير للحكومة. بعيد نشر باراك رابيد، المحلل السياسي لصحيفة «هاآرتس» تفاصيل القمة السرية، اعترف نيتانياهو، في اليوم نفسه (التاسع عشر من الشهر الماضي)، خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية (الأحد قبل الماضي) بعقده القمة السرية بناء على طلبه، وهو ما ينفي ما أورده خبر «هاآرتس»، في البداية، من أن كيري هو الذي بادر بعقد القمة، بيد أن المهم في الأمر هو ما تضمنته القمة من بنود، منها حدود دولية آمنة وتبادل أراض معينة، وحل الدولتين بناء على القرار 181 الخاص بتقسيم فلسطين، الصادر في الثامن والعشرين من نوفمبر 1947، بين دولة يهودية وأخرى عربية، مع فارق نسبة أراضي الدولتين بناء على الوضع الراهن، مع حل عادل وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والقدس عاصمة للدولتين، بدولة صهيونية موفورة الأمن، وأخرى فلسطينية منزوعة السلاح، وتطبيع العلاقات العربية الصهيونية بناء على مبادرة السلام العربية! جاءت تلك البنود في الخبر الأول لباراك رابيد، في حين توالى نشر تقارير أخرى، في العشرين من الشهر الماضي، أي في اليوم التالي لنشر خبره الحصري على صحيفته «هاآرتس» العبرية، ليؤكد أن نيتانياهو اشترط تطبيع العلاقات مع السعودية والإمارات، وإطلاق يد العدو الصهيوني في بناء المستعمرات الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية، والتزام أمريكي بإحباط أي تحرك ضد إسرائيل في المحافل الدولية. تأكيدا أن نيتانياهو لم يدع للقمة السرية، كتبت هيئة تحرير صحيفة «هاآرتس» أن «بيبي» لو دعا بالفعل للقمة لكان وفر لها الأجواء اللازمة للخروج بها لبر الأمان، والاتفاق على الخطوط العريضة، لكنه تملص منها كالعادة، بدعوى أن الائتلاف الحكومي الصهيوني سيرفض بنود القمة السرية، برغم أنها كانت فرصة نادرة لإنقاذ إسرائيل من حالة الجمود السياسي الذي تعيش فيه تل أبيب منذ تولي نيتانياهو رئاسة الوزراء، في العام 2009. من جانبه، وصف أوري ميسجاف، نيتانياهو، في الصحيفة نفسها «هاآرتس» التي تخصصت في الكتابة عن القمة السرية بأنه شخص كاذب وجبان، ورافض للسلام، في حين كتب زميله، رفيف دروقر، أن رئيس الوزراء الصهيوني كان عليه تقبيل جون كيري لمبادرته للسلام تلك، والتي كانت ستدخله التاريخ، وهو العنوان الذي نشر به ميسجاف مقاله المهم في الصحيفة، مؤكدّا أن نيتانياهو لم يبين حتى الآن نيته تجاه السلام، ويبدو أنه يرفض السلام منذ توليه الحكم قبل ثمانى سنوات كاملة.
كيرنياهو رفض الاقتراح الغريب أن تعليقات الصحيفة العبرية على إعلانها عن اللقاء السري جاءت راغبة في إتمام اتفاق سلام مع الجانب، فقد قال أحد القراء، إن رفض نيتانياهو للاتفاق يعني عدم رغبته في إتمام الاتفاق، ليكتب قارئ آخر: كل اتفاقات أوباما انتهت بالكوارث»، فيما كتب آخر: «لماذا لم يعلن عن اللقاء في حينه، ولم يعلنه على سبيل المثال قبل رفضه لحل الدولتين ؟!». ليجيب عليه آخر « الحقيقة هي إن عباس هو الذي رفض اقتراح أوباما وكيري «، ليزيد قارئ آخر « لم يكن هناك شيء، ولن يكون هناك أشياء أخرى»، فيما ينهي قارئ آخر القول بأن «كيرنياهو رفض الاقتراح»، نسبة إلى جون كيري ونيتانياهو! الثابت من التعليقات الإسرائيلية السابقة، أن نيتانياهو بالفعل هو الرافض لإتمام اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني، وأن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق، ورئيسه، وقتئذ، باراك أوباما، هما من عرقلا الاتفاق، برغم تعليق إسرائيلي واحد بأن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن) هو الرافض للاتفاق، ويبدو أنه أُملي عليه بعض الشروط ورفضها، ولكن يبدو أن محادثات القمة السرية لم تنته بشيء إيجابي يذكر. في سياق مشترك، كتب شلومو باروم وأوفير فينتر، المحللان السياسيان بمركز دراسات الأمن القومي الصهيوني، في دراسة مشتركة بالمركز، أن التقارب المصري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحتاج إلى تفسير وإلى تقارب مصري للعدو الصهيوني، بهدف التأكد من مستقبل الحركة في القطاع، وما تمثله مرحلة التقارب المصري مع الجانب الفلسطيني المتعاظمة، وبشكل كبير، في الفترة الأخيرة، من خطورة على الأمن القومي الإسرائيلي. فقد نادى المركز الصهيوني التابع لجامعة تل أبيب، بضرورة عقد جلسة عاجلة للطرفين، المصري والصهيوني، لمناقشة سبل تحسين العلاقات بينهما، بناء على ما تم من مصالحة أو تقارب مصري مع حماس، بما يفيد الجانبين، ولا يضر بأمن إسرائيل القومي، مع الاعتراف بأن الحوار الإستراتيجي العاجل سيحدد مستقبل قطاع غزة بينهما! ومن هنا، فإنه من الواضح أن خروج خبر القمة السرية، ومن قبله تجاذبات أو تغريده أيوب قرا وسفر السفير الإسرائيلي لتل أبيب دون رجعة، مؤقتًا، يعني أن هناك توترًا في العلاقات المصرية الصهيونية، خصوصا مع توالي إطلاق تنظيم داعش بشبه جزيرة سيناء لعدد من الصواريخ على مدينة أم الرشراش المصرية المحتلة (إيلات الصهيونية) ومناطق النقب الجنوبي، غير مرة، قد سبَّب القلق للكيان الصهيوني، ما دفع وسائل الإعلام الصهيونية أو قرا تحديدًا للزج باسم الرئيس السيسي في «مشاريع وهمية» نفاها نيتانياهو، مما يعني دق إسفين في العلاقات المصرية مع تل أبيب، وتشويه صورة مصر أمام المجتمع الدولي! خصوصا أن إطلاق مثل تلك الصواريخ لم تتوقف منذ ثورة يناير الماضية.
لعبة القط والفار من الواضح أن الكيان الصهيوني يلعب «لعبة القط والفار» مع مصر، فكيف تخرج تغريدة قرا، وسفر السفير الصهيوني دون رجعة، والإعلان عن القمة السرية بين السيسي ونيتانياهو، والحديث عن توطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء، في الوقت نفسه الذي تواصل وسائل الإعلام الصهيونية، المنشورة باللغة العبرية، نشر أخبار تفيد استمرار التنسيق الأمني بين الجانبين، المصري والإسرائيلي، في سيناء، حيث كتب يوسي ميلمان، المحلل السياسي لصحيفة «معاريف» أن الوحدة « 8200 « الصهيونية شاركت استخباراتيًا مع القاهرة في سيناء للقضاء على الإرهاب، وتحديدًا تنظيم داعش، وهي وحدة استخباراتية تابعة لجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، بمساعدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا، مع إشارة الصحيفة العبرية إلى نقل تلك المعلومات من تقارير أجنبية! وبناء على تلك التقارير الأجنبية التي تبنتها الصحيفة العبرية وهي عادة الصحف الإسرائيلية كتابة كثير من التقارير والأخبار على لسان نظيرتها الأجنبية، دون ذكرها، برغم يقين المتابعين للشئون الإسرائيلية بأنها من بنات أفكارها هي وليس غيرها، فإن سلاح الجو الصهيوني شارك نظيره المصري في تقديم المساعدة من خلال طائرات إسرائيلية بدون طيار، برغم تأكيد المحلل السياسي للصحيفة بأن سلاح الجو المصري بحوزته طائرات بدون طيار من صنع صيني، بالتوازي مع اختراق كثير من تلك الطائرات المجال الجوي المصري في سيناء، وقتل بعض «الإرهابيين» فيها! وعلى الرغم من ذلك، فإن الصحيفة العبرية ذاتها (معاريف) تساءلت حول مدى نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في اختراق المجال الجوي السوري لاستهداف قوافل حزب الله اللبناني، أو أماكن عسكرية واستخباراتية سورية، مقارنة بفشلها في عدم تمكنها من استهداف داعش في سيناء، وهو ما يحتاج إلى تفسير وتحليل، فالتعليل الصهيوني يرغب في إجابة تشفي غليل المسئولين الصهاينة، بأن سيناء باتت مرتعًا للإرهاب، ويجب التدخل للقضاء على التنظيمات الإرهابية، على غرار ما تقوم به المقاتلات الإسرائيلية في سوريا والجنوب اللبناني، وأنه على الحكومة المصرية التعاون معها في ذلك، برغم ذكرها في فقرات سابقة بأن الوحدة الاستخباراتية « 8200» نسقَّت مع القاهرة للقضاء على تنظيم داعش في سيناء، غير مرة! بيد أن رفض مصر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ومطالبة القاهرة، غير مرة، وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية، والتقارب المصري مع حركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتفهم القاهرة لضرورة توحد الفصائل الفلسطينية تحت راية واحدة، قد قلل من التقارب المصري الصهيوني في الفترة الأخيرة، لكنه لا يستدعي بدوره وجود السفير ديفيد جوبرين في القدسالمحتلة، وهو ما لم يحدث في أحلك الظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها مصر طوال الأعوام القليلة الماضية، كما أن الإعلان عن خبر القمة السرية بالتوازي مع زيارة نيتانياهو لواشنطن ومن قبله تغريدة قرا تسبب الحرج للقاهرة وللرئيس السيسي أمام الشعب الفلسطيني! في وقت يسير قطار التطبيع العربي الصهيوني بسرعة كبيرة، ربما لم يتوقعها الصهاينة أنفسهم.