ليست «سمن على عسل»دوماً، وإنما شد وجذب ومصالح مشتركة تملأها الريبة الممزوجة بالقلق.. تلك هى خلاصة علاقة الإخوان بالإدارة الأمريكية منذ أن اتحدت مصالحهم فى سنوات غزو الاتحاد السوفيتى لأفغانستان، والتي خططت ودبرت الولاياتالمتحدة من أجل أن تصبح أفغانستان هي حرب استنزاف السوفيت ومصنعا لإنتاج الجهادي لمواجهة خصم الحرب الباردة وهي الحرب التي تورطت فيها أطراف عديدة من حكومات وتنظيمات وأفراد. وبعد أن انفضت الحرب شاع الفرقاء في سائر أنحاء الأرض وتغيرت التحالفات وصار حلفاء الأمس خصوم اليوم .. وفي جميع الأحوال، ظل تنظيم جماعة الإخوان لاعبا من وراء الستار علي الساحة الدولية من خلال شبكة مترامية الأطراف وأعضاء رسميين ومحبين يهبون لدعم الجماعة عندما يطلب منهم.. في أعقاب الثورة المصرية شرعت الإدارة الأمريكية في الترتيب للنزول إلي المعترك الجديد في مصر بخلفية غير مكتملة واتصالات عبر سنوات مع جماعة كانت محظورة علي مدي عقود دون أن تتورط في عنف الجماعات المسلحة، إلا أنها اتصالات لم تكن كافية أن ترسم صورة حقيقية عن لاعب أساسي علي الساحة المصرية .. في سبيل تحقيق هدفها من الاتصالات بدأت إدارة الرئيس أوباما في تهيئة الأجواء في الكونجرس- المعادي للجماعة لأسباب عديدة- وفي أوساط الرأي العام الأمريكي بزيارات مبدئية لمكتب الإرشاد من جانب مسئولين في السفارة الأمريكية في القاهرة، ثم رفعت مستوي التواصل تدريحيا وفي فترة وجيزة حتي وصلت إلي مستوي نواب بارزين في الكونجرس نفسه من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بقيادة المخضرمين في العلاقات الدولية مثل السناتور جون ماكين والسيناتور جون كيري من أجل التأكيد علي أن الاتصالات هي سياسة غير حزبية. وعندما حدث تخبط في السياسة الأمريكية تجاه مصر وعدم قدرة الدبلوماسيين في القاهرة علي تحديد وجهة صحيحة قرر الرئيس أوباما أن يرسل سفيرة جديدة صاحبة خبرة واسعة في التعامل مع العالم الإسلامي من خلال عملها في أفغانستان هي آن باترسون التي ضاعفت من حجم الاتصالات وباتت مسئولة بشكل شبه كامل عن ملف التواصل مع القوي السياسية الجديدة في مصر، وقد أصابت باترسون قدرا كبيرا من النجاح في مهمتها الصعبة وتمكنت من تنظيم لقاءات عديدة وزيارات لواشنطن بعضها معلن وأكثرها سوف يظل في طي الكتمان لعقود مقبلة.. في اللقاءات التي شهدتها واشنطن في الأشهر الأخيرة، وخصوصا الزيارة الشهيرة لحزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للجماعة- بدا أن العلاقة بين الطرفين قائمة من فترة لا تخطئها العين، حيث كان أعضاء الوفد علي معرفة بكثير من الباحثين في مراكز الأبحاث الكبري في الولاياتالمتحدة ممن يترددون علي القاهرة ويحضرون مؤتمرات في عواصم ومدن عديدة في الغرب والشرق برغم حداثة سن عدد من المشاركين في تلك اللقاءات وهو ما يقدم برهانا واضحا علي مستوي الاتصالات المكثفة بين الجانبين. وقد بنت الولاياتالمتحدة إستراتيجيتها في التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين علي فرضية واضحة أن التنظيم يملك مقومات عديدة، أن يصبح هو الطرف القوي علي الساحة المصرية ودخوله العمل السياسي الشرعي سوف يساعد في خلق تيار سياسي أكثر اعتدالا سوف يدفع تنظيم القاعدة إلي الظل ويضع شباب الحركة الإسلامية أمام محك جديدة من الممارسة السياسية الجادة في بلد كبير يملك مقومات تغيير خريطة الشرق الأوسط. وبرغم تحفظات نظم حليفة في منطقة الخليج علي الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين، فإن الإدارة قررت استمرار فتح الحوار، خصوصا بعد إشارات مشجعة من الجماعة بتلاقي المصالح أو عدم تعارض مواقف الجماعة مع مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية. أصحاب «مشروع النهضة» حضروا إلي واشنطن في مارس الماضي في إطار «مشروع تعارف» فسارعت الميديا الأمريكية إلي تسميته ب «الهجوم الساحر»! وهي الأوصاف التي اعتادت وسائل الإعلام الأمريكية إطلاقها في مثل تلك الحالات المهمة للأمن القومي الأمريكي وللتمهيد يتغيير ما ضم الوفد الأول «الرسمي» عبدالموجود درديري نائب البرلمان وحسين القزاز رجل الأعمال ومستشار الحزب وشريك خيرت الشاطر في إعداد «مشروع النهضة» وخالد قزاز منسق العلاقات الخارجية في الحرية والعدالة وسندس عاصم محررة موقع «إخوان ويب». ويحسب للحرية والعدالة - دائما- اختيار شخصيات منتقاة للحوار في العاصمة الأمريكية من خريجي وحاملي درجة الدكتوراة من جامعات أمريكية في مجالات متعددة، وهو توجه يدعمه وجود كثير من الشخصيات المقربة من الجماعة في عدد من المدن الأمريكية ممن يبدون رغبة في مساندة الحزب ويلعبون اليوم أدوارا في استمرار الحوار مع الإدارة الأمريكية من وراء الستار وبعيدا عن ضجيج الإعلام. وفي سبيل تحقيق الغرض دارت مشاورات وفود الإخوان حول رسائل بعينها مازالت هي الأساس حتي اليوم في الاتصالات بين الطرفين وهي: مصر في ظل الديمقراطية يمكنها بناء علاقات أفضل مع الولاياتالمتحدة وقضايا الأمن الإقليمي يمكن التنسيق بشأنها علي نحو أفضل- بين أمريكا والإخوان- بما يحقق مصالح الطرفين عبر الحوار المباشر الحرية والعدالة يقصد ما يقول به عن بناء الدولة المدنية، وهو ضد الحكم الديني أو العسكري الحزب يساند إقامة نظام برلماني وبالتالي تقليص صلاحيات الرئيس وهو ما لا يدعو للتخوف من ترشيح الإخوان أحد كوادرها للرئاسة. دعم القوات المسلحة المصرية وعدم اعتراض طريق المساعدات العسكرية ومناقشة المعونة العسكرية ومراقبة أوجه الإنفاق ربما يكون أمرا صحيا من أجل علاقة أفضل في المستقبل. لا يوجد رابط بين تنطيم جماعة الإخوان في مصر وأية تنظيمات مماثلة في المنطقة والعلاقات تقوم علي احترام القيم المشتركة. الحرية والعدالة لا يساند أي دعوات لمراجعة اتفاقية كامب ديفيد أو إجراء استفتاء بشأنها مثلما يحترم كل الاتفاقيات والالتزامات الدولية الموقعة في السابق. مساندة ظهور قانون جديد يعطي حرية أكبر لمنظمات المجتمع المدني في إطار قانوني واضح مع شفافية في عملية التمويل. العلاقة التنطيمية بين الحزب والجماعة يمكن أن تشهد مع مرور الوقت قدرا أكبر من فك الارتباط واستقلالية الحزب في قراراته وفي حال صدور قانون جديد للجمعيات الأهلية سوف تتقدم الجماعة للحصول علي ترخيص رسمي. في التقييم الأخير لتلك الزيارة، قال النائب رديري ل «الأهرام العربى» إن الزيارة قد حققت هدفها بدرجة عالية خصوصا فيما يتعلق بمشروع التعارف، واستطاعت أن تزيل اللبس بشأن مشروع مصر المقبل.. فبدلا من وصفه في السابق بالمشروع المتطرف والداعم للإرهاب إلي إعادة تعريفه بأنه مشروع حضاري معتدل». ومن الواضح أن رسائل الجماعة كانت ترمي إلي بناء جسور مع الداخل الأمريكي ممثلا في الكونجرس واللوبي الموالي لإسرائيل والقلق من وصول الإسلاميين إلي الحكم بخطابهم الصاخب ضد إسرائيل ورسائل لحلفاء امريكا في الخليج- خصوصا الإمارات والسعودية- ممن لا يثقون في أهداف الجماعة من اقتصارها علي مشروع في حدود الدولة المصرية بل يرون أن الجماعة لديها مشروع عربي وإسلامي سوف يثير حالة من عدم الاستقرار ويزعزع الأنظمة الحاكمة وصولا إلي تحقيق مشروع الجماعة الخاص. في المقابل، نتيجة عدم اتساق خطاب الجماعة بين الداخل والخارج واللغة المراوغة في الحملات الانتخابية والشكوك في نوايا الجماعة تجاه إسرائيل والأمن الإقليمي، شرعت مجموعة من النواب الجمهوريين في التشكيك في جدوي الحوار مع الإخوان المسلمين وحزبها ويرون في الجماعة تهديدا للأمن القومي الأمريكي ويطالبون الأحهزة الاستخبارية والوزارات المختصة بالكشف عن طبيعة ونوعية اللقاءات التي جرت مع الإخوان في الآونة الأخيرة وهو الفعل المضاد لحزب الجمهوري في عام الانتخابات الأمريكية، حيث يمكن أن يستخدمها الجمهوريون ورقة ضد إعادة ترشيح أوباما في انتخابات نوفمبر المقبل، فيما تشير المعلومات إلي أن خيرت الشاطر- العقل المدبر للجماعة- يقوم بجهد كبير للحصول علي دعم أمريكا في تلك الفترة الحرجة حيث قال في حديث قبل أيام قليلة إن «العلاقات مع الولاياتالمتحدة تمثل أهمية قصوي» حيث ستعتمد الجماعة علي الدعم الأمريكي في المحافل الدولية!