تلتفت أنظار العالم أجمع إلي العراق يوم السابع من مارس حيث تجري الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء مجلس النواب الثاني منذ سقوط نظام صدام حسين والتي سيتحدد علي أثرها من هو رئيس الوزراء القادم. ونصيب كل الطوائف والعشائر في البرلمان خلال المرحلة الصعبة المقبلة في تاريخ العراق. وبالنظر إلي الساحة السياسية العراقية الآن يمكن القول أن الانتخابات سوف تجري في ظل ثلاثة متغيرات. أولها الوعد الضمني والجزئي بالتخلي عن الديمقراطية التوافقية والتي تم المزج بينها وبين الديمقراطية التعددية القائمة علي فكرة المواطنة. ثانيها التحلل النسبي والجزئي للاستقطاب السياسي الطائفي الذي شهدته البلاد غداة انتخابات عام2005 والتي جري فيها الترشيح والتنافس والتصويت علي أساس الهوية المذهبية والقومية بشكل أساسي. فقد تفككت جزئيا التحالفات السياسية التي قامت علي أساس طائفي خاصة الائتلاف العراقي( الشيعي) وكتلة التوافق( السنية). أما الكتلة الكردية فمازالت محافظة علي تماسكها النسبي, رغم ظهور كتلة معارضة, لكنها محصورة في المجال السياسي الكردي فقط. ثالث هذه المتغيرات, هو التحرر النسبي للناخب من استبداد القائمة المغلقة والدائرة الواحدة. حيث جعل القانون الانتخابات علي أساس الدوائر المتعددة, باعتبار كل محافظة دائرة, وعلي أساس القائمة المفتوحة, وأجاز للناخب أن يصوت علي القائمة التي يرغب بها, كما أجاز له إضافة إلي ذلك, أن يصوت علي اسم واحد من مرشحي القائمة. هذه المتغيرات النسبية الثلاثة تسمح بأن نتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة نسبة معينة من التغيير في المشهد السياسي, لكن هذه النسبة ستكون محكومة أيضا بعوامل أخري, مثل نسبة عدد المرشحين الجدد إلي عدد النواب الحاليين الذين ترشحوا لدورة انتخابية جديدة. ونوعية المرشحين الجدد من حيث الكفاءة والقدرة والنزاهة والإمكانية علي التجديد والتغيير والعطاء في المرحلة التشريعية المقبلة. فضلا عن عدد الناخبين الذين سوف يمنحون أصواتهم لمرشحين بعينهم مقارنة بعدد الناخبين الذين سيكتفون بالتصويت لصالح القائمة ككل. وبطبيعة الحال كلما ازدادت نسبة الحالة الأولي, حدث تغيير أكبر في المشهد السياسي, والعكس. ولا يستطيع الناخب أن يلعب دورا مهما علي صعيد العامل الأول, لكنه قد يستطيع علي الأقل تحري اختيار نواب من المرشحين الجدد, وليس من النواب الحاليين, من جهة, وأن يتحري التصويت علي المرشحين الأكفاء من المرشحين الجدد أو النواب الحاليين من جهة ثانية, دون التأثر بالمعطي الطائفي أو الحزبي أو العرقي. تبرز في هذه الانتخابات كسابقتها كثرة الائتلافات والكيانات السياسية والمرشحين, وظهور قوائم انتخابية جديدة بتركيبتها وتوجهاتها ورؤسائها بروز قوي سياسية وضعف أخري خلال الأربع سنوات الماضية وهذا الواقع سيحفز الكيانات التي حصلت علي مقاعد عديدة في انتخابات مجالس المحافظات للحصول علي أكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النواب القادم. أما القوي السياسية التي شعرت بالضعف فستعمل بكل ما لديها من إمكانيات دعائية وإعلامية للحفاظ علي مكاسبها السابقة. والغالبية من الناخبين تتجه نحو دعم قوائم معينة من أجل حصولها علي الأغلبية البرلمانية, للتخلص من التوافقية السياسية والمحاصصة الحزبية التي كانت أحد الأسباب في تعطيل العديد من القوانين والتشريعات وتولي أشخاص في بعض مفاصل الدولة غير أكفاء وقد أدي ذلك إلي ضعف في تقديم الخدمات خلال السنوات السابقة. تعكس الائتلافات الجديدة التي ستخوض الانتخابات البرلمانية, نمطا من النضوج في العمل السياسي, الذي ينطلق من احتساب المصلحة وتحقيق البرامج الإدارية والخدمية والأمنية, قبل الإخلاص إلي الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي أو الأيديولوجي. واستنادا إلي الواقع والمشهد الانتخابي, لن يستطيع أي حزب الانفراد بأن يحقق حضورا انتخابيا واسعا يمكنه من كسب أغلبية في البرلمان تمكنه من اكتساب سلطة تمرير القرارات والقوانين والمقترحات لدي التصويت عليها, وهذه الحاجة, التي لا تقترن المصلحة فيها بشغل عدد من المقاعد في البرلمان وإنما التأثير في صنع القرار, هي السبب الرئيسي خلف الائتلافات التي تبدو هشة علي نحو فاضح من حيث القناعات الفكرية والأيديولوجيات, في حين تبدو عوامل التماسك أشد إقناعا في ظل احتساب المصلحة المستقبلية من التحالف مع المختلف, ما دام يوفر الحد الأدني من المطالب المتوافق بشأنها, ولا يتوقف الأمر عند محاولة اكتساب المقاعد المؤثرة في صنع القرار بل تتمثل عند بعض الأحزاب والاتجاهات في أصل الصعود إلي المجلس أو اجتياز عتبة الدخول إلي البرلمان بالحصول ولو علي مقعد واحد, أو تحقيق الاجتياز بمقعد أو اثنان في أفضل الأحوال.