بشئ من الثقة يمكن وصف الاسبوع الماضي بأنه أسبوع الافتراءات, والأكاذيب الاسرائيلية والامريكية بشأن شيء لم يحدث, ومن الصعوبة أن يحدث بالصورة التي تحدثت بها مصادر أمريكية وإسرائيلية, الشيء الكاذب هنا, والذي أكده وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في زيارته السريعة إلي بيروت قبل خمسة أيام هو نقل أو تهريب صواريخ سكود بي أو أي طراز آخر من سوريا إلي حزب الله اللبناني, وهو أمر كاذب لأن هذه النوعية من الصواريخ كبيرة الحجم إذ يبلغ طولها11 مترا, ومنصتها المتحركة يصل طولها إلي14 مترا, ومن ثم فهي سهلة الرصد والمتابعة في كل المراحل, بما في ذلك مرحلة الاطلاق التي تتطلب أكثر من ساعة للتجهيز, وحين تقوم قائمة تل أبيب وواشنطن استنادا إلي شيء كاذب, فهنا ينبغي النظر إلي الأمر بقدر كبير من الحذر والاستعداد إلي ما هو أسوأ. ووفقا للموقف الاسرائيلي الذي تم تسريبه إلي الصحافة البريطانية, وأشار إليه من قبل شيمون بيريز ثم أكده وزير الحرب ايهود باراك وعدد آخر من القيادات العسكرية, فإن وصول هذه الصواريخ إلي حزب الله في الداخل اللبناني سيعني تغيرا كبيرا في حالة الهدوء القائم, مما يستدعي القيام بهجمة كبيرة علي مرافق وبنية تحتية سورية أولا ولبنانية ثانيا, ستعيد سوريا إلي العصر الحجري وفقا للتعبير الذي نشرته صحيفة صينداي تايمز البريطانية18 ابريل الحالي. هذه التصريحات الفجة هي أكثر من مجرد تعبيرات بلاغية أو انشائية للتعبير عن الغضب أو مجرد توجيه تحذير عابر. انها تهديد صريح بالعدوان والحرب, وتهديد باستخدام كل مفردات وعناصر الآلة العسكرية الهمجية الاسرائيلية ضد سوريا أولا ولبنان ثانيا. هذا التهديد يمكن فهم دواعيه ومسبباته بحالة الأزمة التي تعيشها اسرائيل الدولة والمجتمع في آن واحد في ظل حكومة يمينية متطرفة لاتؤمن بالسلام أو بالحقوق المشروعة للفلسطينيين وكل همها الأول والأخير الاستيلاء علي الاراضي العربية عبر الاستيطان بلا قيود, ووضع المنطقة برمتها تحت الضغط والتهديد بالحرب. هذه الحكومة الاسرائيلية المتطرفة التي تعيش أزمة معلنة مع ادارة الرئيس أوباما, وترفض الاستجابة إلي الحد الادني من متطلبات المفاوضات, وترفض حل الدولتين وتطرح صيغا عجيبة لامعني لها لنهاية المفاوضات, يهمها بالقطع أن تهرب من التزامات التسوية التاريخية عبر اعادة تشكيل الواقع الاقليمي من خلال الحرب أو علي الاقل التهديد الدوري بها, ومن ثم ادخال عناصر جديدة في اللحظة الجارية بهدف إرباك الامور أمام ادارة الرئيس أوباما وأمام العرب, ومن ثم التغيير القسري للمعادلات المطروحة والهروب من التزامات المفاوضات. المأساة هنا أن الولاياتالمتحدة تدرك تماما هدف حكومة نيتانياهو, ولكنها لاتتصرف بطريقة تتناسب مع كونها القوة الاولي في النظام الدولي, ولا مع كونها الحامية لاسرائيل والمانح الاول لاقتصادها ومصدر تفوقها العسكري تكتيكيا واستراتيجيا, وهي مجالات تمنح البيت الابيض قوة كبري في الضغط علي الحكومة الاسرائيلية, ولكنه يتناسي ذلك ويتجاهله, بل تتصرف واشنطن أحيانا بطريقة تعكس انحناء تام أمام تل أبيب وأكاذيب قادتها, وهو ما ظهر في استدعاء الخارجية الامريكية للدبلوماسي الثاني في السفارة السورية بواشنطن ونقل تحذير لدمشق من مغبة ما وصف بتهريب صواريخ سكود إلي حزب الله اللبناني, في خطوة عكست تناغما تاما مع الموقف الاسرائيلي المهدد بالحرب, وربما ضلوعا في العدوان الاسرائيلي علي سوريا أو لبنان لاحقا. ولنلاحظ هنا ما قاله نائب وزير الدفاع الاسرائيلي ماتان فيلناي ان قدرات حزب الله علي اطلاق النار تحسنت كثيرا وهدفه الرئيسي هو ضرب المواقع الخلفية لاسرائيل.. سنقوم في نهاية الشهر المقبل بتدريب عسكري لمواجهة هذا الواقع كما فعلنا العام الماضي, وهو تصريح يؤكد بصراحة, وإن كانت تحت ستار القيام بمناورات عسكرية تدريبية لمواجهة واقع جديد, ان اسرائيل تستعد للحرب وتعمل علي الهروب إلي الامام, وإن التقارير التي أشارت إلي صيف ساخن بالنسبة لسوريا وايران ولبنان ليست من فراغ. والأمر المؤكد هنا ان استعدادات اسرائيل الدائمة للحرب والعدوان هي جزء عضوي من وجودها وبقائها. والمؤكد أيضا أنها توظف الحالة التي يكون عليها العرب من أجل تمرير عدوانها وترسيخ وجودها, وتمديد استيلائها علي أراض عربية جديدة, فلولا الانقسام الفلسطيني وسطوة الانانية السياسية للفصائل الفلسطينية الكبري علي الوضع الفلسطيني لما وصل الحال إلي ما نراه الآن من تشرذم وفقدان التماسك وتهديد مستقبل السلطة الفلسطينية وترسيخ الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع, واستمرار حصار غزة وأهلها إلي أمد غير معروف, ولولا الانقسام العربي لما وصل الصلف الاسرائيلي إلي هذا المدي الذي يهدد فيه بالحرب بلدين عربيين علنا بعد تمرير الاكاذيب والافتراءات. ان التهديد الذي تتعرض له سوريا هو تهديد للدول العربية كلها, وتهديد للاستقرار والسلم الدولي أيضا, ومن هنا خطورة الأمر وحساسيته الشديدة, من هنا أيضا الضرورة التي تفرض تحركا سياسيا واستراتيجيا يتناسب مع حجم التهديد. فالمصالحة الفلسطينية مصحوبة بمصالحة عربية لم تعد ترفا, بل ضرورة حياة وضرورة بقاء, وتلك التحفظات التي تقولها بعض فصائل فلسطينية حول الورقة المصرية يجب ألا تكون مانعا من أجل حماية القضية الفلسطينية نفسها, فإن ضاعت القضية فكيف يمكن لسوريا وللفصائل الفلسطينية التي تتحالف معها أن تقدم تبريرا للتاريخ والاجيال المقبلة بأن ما كان هو من أجل تحرير فلسطين وشعبها, وإذا كان السوريون قد بدأوا يحصدون كثيرا في علاقاتهم مع لبنان الدولة والحكومة والقوي السياسية المختلفة, بعد أن غيروا أسلوبهم السابق من الهيمنة المباشرة علي كل كبيرة وصغيرة في لبنان إلي التعامل مع الجميع من منظور الشراكة والتعاون, فهم سوف يحصدون اكثر ان عادوا بقوة إلي الحضن العربي بمنظوره الاستراتيجي, ولم يفرضوا علي أنفسهم مجالا استراتيجيا وحيدا وبديلا باعتباره الأهم وذا الأولوية. ان زمن التموضع الاستراتيجي السوري في ركن بذاته لم يعد خيارا مناسبا في ظل التهديدات الاسرائيلية القديمة والجديدة, معا وبعد أن ظهر أن الرهان علي ادارة أوباما في تفعيل التسوية التاريخية وانجازها هو رهان خاسر حتي اللحظة, ولايوجد ما يؤشر إلي أنه قد يتغير إلي رهان كاسب في مدي زمني معقول, وبعد أن تبين ايضا ان فعالية دول جوار بعينها كتركيا مثلا في استيعاب واحتواء النزعات الشريرة لدي اسرائيل ليست مضمونة النتائج, كما ان الرهان علي هذه القوي الاقليمية في تمرير صيغ تسوية أو مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لم يأت بنتائج حتي الآن, ولعل السبب في ذلك كله هو ان الجميع يتعاملون مع سوريا باعتبارها بلدا تحت الحصار السياسي وأنها معزولة إلي حد ما عربيا, وانها التي ترغب في تحقيق عائد سياسي ومعنوي واستراتيجي يساعدها علي الصمود في وجه العدوانية الاسرائيلية. ان هذه النتائج وغيرها تستدعي نقلة كبري في التفكير الذي ساد دمشق في السنوات القليلة الماضية, ويستدعي العودة مرة أخري, إلي الانخراط أكبر وكما كان في السابق في استراتيجية عربية موحدة بعيدا عن الانقسامات وتوزيع الاوصاف بالبطولة او الرعونة علي هذا الطرف أو ذاك, وإلي الانفتاح علي الدول العربية الرئيسية ومد اليد اليها, والتوفيق بين الالتزامات الاقليمية مع ايران, والالتزامات العربية بمعناها الأرحب, فلا أحد عربيا أو مصريا يريد سوءا بسوريا لانظاما ولا شعبا, فسوريا وشعبها دوما في القلب والعقل. وكلاهما يفرحان بتلك الاشارات الايجابية التي تكررت كثيرا بين مصر وسوريا في الاسابيع الاخيرة والتي تمهد لنقلة نوعية في علاقات القاهرةودمشق, بات الوضع العربي في حاجة ملحة اليها اكثر من أي وقت مضي. ولتكن زيارة الرئيس الاسد المرتقبة للقاهرة, والتي رحب بها الوزير أحمد أبو الغيط هي نقطة التحول التي يتطلع اليها الجميع.