رغم أن الحرب في ليبيا لم تضع أوزارها بعد فمازال العقيد معمر القذافي وأنصاره يقاومون تقدم الثوار المدعومين بطائرات حلف شمال الأطلنطي( ناتو) ويتحصنون باجزاء ليست بالقليلة من الأراضي الليبية مترامية الأطراف فإن عملية توزيع الكعكة الليبية الدسمة والغنية بالدولارات النفطية بدأت بالفعل بين الثوار وأنصارهم وأصبح الكلام عن مكافأة الأصدقاء ومعاقبة من كانوا يؤيدون القذافي علنيا ولا لبس فيه. وكان أول مظاهر توزيع الكعكة الليبية إعلان فرنسا أنها ستقوم بامداد ليبيا بكميات هائلة من المباني سابقة التجهيز بدعوي استخدامها كفصول دراسية بعد أن دمرت غارات الناتو المئات من المدارس بزعم أن كتائب القذافي كانت تستخدمها ومن تلك المظاهر أيضا إعلان المجلس الوطني الأنتقالي وهو الجناح السياسي للثوار أنه سيراعي مواقف الدول الأخري من الثورة الليبية عند توزيع عقود إعادة البناء وهومايعني أن دولا مثل الصين وروسيا ممن كانت لها علاقات وثيقة بالقذافي ولم تبادر بالاعتراف بهذا المجلس ستتأثر سلبا رغم أنها ومعها تركيا كان لها نصيب الأسد في السوق الليبية فقد أكدت الأرقام الرسمية الليبية في نهاية عام2010 أن تركيا أحتلت المركز الثاني بعد دول الإتحاد الأوروبي من حيث التبادل التجاري مع ليبيا بقيمة أكثر من ملياري دينار ليبي,( الدولار يساوي1.26 دينار ليبي). وبعيدا عن العقود الرسمية الحكومية فأن ارقام التبادل التجاري الليبي التركي تتحدث عن مبالغ تصل إلي9,8 مليار دولار, كما أن نظام القذافي كان قد أعلن أنه سيقدم استثمارات بقيمة100 مليار دولار للشركات التركية حتي عام2013 وأعلن عن استثمارات في قطاع التشييد وصلت قيمتها إلي15 مليار دولار تم منحها للشركات التركية في هذا المجال ومنذ بداية عام2010 دخل حيز التنفيذ160 مشروعا استثماريا تركيا في ليبيا ولكن الثورة أدت إلي تعطيلها وتدمير معدات الكثير منها ومن غير المتوقع استئناف العمل فيها سريعا. ومن المنتظر الان أن تتراجع حصة الأتراك في السوق الليبية بقوة أولا لأن هناك دولا مثل فرنسا تستهدف هذا الدور وربما كان اضعاف النفوذ التركي في إفريقيا أحد أهداف دخول فرنسا الحرب ضد ليبيا والأتراك يعلمون ذلك جيدا ويتهمون باريس بأنها اكبر معارض لأنضمامهم للأتحاد الأوروبي وثانيا لأن الأتراك لم يتخذوا من البداية موقفا حاسما ضد القذافي وظلوا مترددين بينه وبين الثوار كما أنهم لم يشاركوا في المجهود الحربي سواء بالقصف الجوي أو تزويد المعارضة بالسلاح كما فعلت فرنسا وايطاليا وبريطانيا علي سبيل المثال. ومن المتوقع أن تتأثر التبادلات التجارية بين مصر وليبيا بعد الثورة كثيرا لأن هناك قوي أخري مستعدة للقفز علي الدور المصري رغم أن مصر كانت قد حلت في المرتبة الثالثة في التبادل التجاري الليبي الخارجي قبل الثورة. وتعد روسيا في مقدمة الخاسرين من الثورة الليبية حيث قدرت المصادر الرسمية خسائر موسكو بسبب الثورة الليبية بنحو14 مليار دولار وهو ما تمثله قيمة عقود توريد الأسلحة والمعدات العسكرية إلي جانب توقف مشاريع التعاون في مجالات النفط والغاز وبناء السكك الحديدية. ويعتقد بعض قادة الثوار أن معاقبة موسكو ربما يضر بالثورة لأن ذلك قد يدفعها إلي مواصلة تقديم المساعدة العسكرية لبقايا نظام القذافي لهدفين أولهما رغبتها في استنزاف الغرب وجره إلي مستنقع حرب أهلية مماثل لما حدث في العراق وافغانستان انتقاما مما سبق أن قام الغربيون به مع الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان مما أدي لانهياره وتفككه وثانيهما لاعتقاد الروس بأن أحد أهداف الثورات العربية المدعومة من الغرب خاصة في ليبيا وسوريا هو أضعاف ما تبقي من نفوذ سياسي واقتصادي روسي بالمنطقة. ولعل إستمرار موسكو في الأمساك بالعصا من المنتصف يضعف موقفها أكثر مع الثوار لمصلحة دول أوروبية أخري مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا تسعي لحل مشاكلها المالية مع دول أخري من خلال القفز علي مواقعها في الأسواق الليبية التي باتت متعطشة للكثير من المواد والسلع بعد الدمار الذي تعرضت له البلاد خلال ثورتها المسلحة. ومن حسن حظ تلك الدول الساعية لالتهام أكبر قدر من الكعكة الليبية أن الخزينة العامة الليبية مازالت عامرة فحسب الأرقام الرسمية والفعلية فإن اجمالي أحتياطي النقد الأجنبي لايقل عن150 مليار دولاريمكن تدعيمها بصادرات بترولية سنوية تقترب من50 مليار دولار واحتياطي من الذهب لايقل عن150 طنا. ولكن الكعكة الرئيسية لمن لايعلم تتمثل في الأستثمارات الليبية في الخارج والتي تم الكشف مؤخرا عن أن حجمها لايقل عن تريليون( الف مليار) دولار تأخذ شكل شركات وأسهم موزعة في العديد من دول العالم خاصة إيطاليا وفرنسا وتركيا. وبريطانيا وروسيا والصين وجنوب أفريقيا علاوة علي أقل من عشرة مليارات دولار مستثمرة في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبري. وجانب كبير من أموال تلك الكعكة التي كشف سرها مدير البنك المركزي الليبي محمد بوسنينة مؤخرا وبموافقة العقيد القذافي قبل إنهيار سلطته في طرابلس موجود بشكل سري وغير معلن حتي بالنسبة لسلطات الدول الموجود بها تلك الاستثمارات والتي تتنوع بين محطات وقود وشركات أدوية وصناعات غذائية بل وحتي أنتاج سلع معمرة. وفي حالة التوصل إلي أماكن تلك الخبيئة ستكون بمثابة اكبر كعكة في التاريخ لأن مبلغ تريليون دولار غير مسبوق ولكنه منطقي بالنسبة لدخل ليبيا البترولي وشكل الأستثمارات التي كان القذافي يلجأ اليها حيث كان الرجل يفضل أي شيء ماعدا المضاربة في البورصة وهو ماحفظ تلك الثروة الهائلة من الضياع علي عكس دول عربية أخري كانت كلما كونت ثروة من عائدات البترول التهمتها البورصات وأزماتها التي لا تنتهي.