مروة البشير : ليلة القدر من أعظم الليالي في حياة الإنسان, وسميت بهذا الاسم لأنها ذات قدر وقيمة ومنزلة عند الله سبحانه وتعالي, وسماها أيضا ليلة مباركة, كما قال تعالي:( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) يقول الدكتور سالم مرة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن الله يأمر الملائكة بالنزول إلي الأرض في هذه الليلة لأن العباد قد تزينوا بالطاعات في شهر رمضان, ويقول الله تعالي للملائكة انتم طعنتم في بني آدم وقلتم:( أتجعل فيها من يسفك فيها), فقلت لكم:( إني أعلم ما لا تعلمون), اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتي تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم علي علم علي العالمين, ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر), ويكفيها شرفا أن الله أنزل القرآن في هذه الليلة من اللوح المحفوظ إلي سماء الدنيا ثم نزل منجما علي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم بعثته إلي أن توفاه الله, يقول تعالي:( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر). ولقد أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بطلبها فقال:( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان), وقد سأل الصحابة النبي صلي الله عليه وسلم عن أي ليلة في العشر الأواخر تكون, فقال صلي الله عليه وسلم:( في ليلة سبع وعشرين), وفي رواية لسيدنا عمر رضي الله عنه أن ابن عبد البر يقول كان ناس من المهاجرين وجدوا( غضبوا) علي عمر لاهتمامه الشديد بعبدالله بن عباس ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم, فجمعهم ثم سأل عن ليلة القدر, فأكثروا الكلام فيها فقال بعضهم: كنا نراها في العشر الأوسط ثم بلغنا أنها في العشر الآواخر, فقال بعضهم هي ليلة احدي وعشرون, وقال بعضهم هي ليلة ثلاثة وعشرون, وقال بعضهم هي ليلة سبعة وعشرون, فقال عمر رضي الله عنه: يا ابن عباس تكلم, فقال: الله أعلم, فقال عمر: قد نعلم أن الله يعلم وإنما نسألك عن علمك, فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله وتر يحب الوتر, خلق من خلقه سبع سموات فاستوي عليهن, وخلق الأرض سبعا وجعل عدة الأيام سبعا ورمي الجمار سبعا, وخلق الإنسان من سبع, وجعل رزقه من سبع, فقال عمر: خلق الإنسان من سبع وجعل رزقه من سبع هذا أمر ما فهمته, فقال: إن الله تعالي يقول:( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين وقال في رزق الإنسان من سبع:( فلينظر الإنسان إلي طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم). وعن كيفية إحياء هذه الليلة يقول الدكتور سالم مرة إن إحياءها يكون بالتهجد فيها والصلاة وقراءة القرآن وكثرة الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم وذكر الله والدعاء, وأيضا التبتل أي الانقطاع إلي الله, قال تعالي:( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا), وقد قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلي الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: قولي:( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني), فمن أسماء الله تعالي العفو, وهو المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم, وهو يحب العفو, فيعفو عن عباده, ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض, فإن فعلوا ذلك عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته وكان النبي صلي الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وعفوك من عقوبتك, وأمر النبي صلي الله عليه وسلم بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي الليالي العشر, لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا ولا حالا ولا مقالا فيرجعون إلي سؤال العفو كحال المذنب المقصر, قال يحيي بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو.