اجتمع بعض المسلمين في أمريكا من بعض الدول العربية والاسلامية ومن المسلمين الأمريكان, واتفقوا علي إنشاء جامعة اسلامية مفتوحة ليتعلم أبناء المسلمين المقيمين في الخارج منها علوم دينهم, وعندما علمت الإدارة الأمريكية أن هذه الجامعة التي يزمع انشاؤها سوف تقوم علي مناهج جامعة الأزهر وافقوا لثقتهم في الأزهر وعراقته, وأصالته ووسطيته, ووجهوا لي الدعوة حين كنت رئيسا لجامعة الأزهر لعقد اتفاقية تعاون لإقامة هذه الجامعة علي مناهج الأزهر, ومراجعه, وعلي أسلوب وسطيته واعتداله في أمور الدين. وأجبت الدعوة التي وجهت لي ووقعنا اتفاقية التعاون في السفارة المصرية في واشنطن وحضرها بعض رؤساء الجامعات هناك والسفير المصري وكثير من المسئولين. وخلال هذه الزيارة قمت بإجابة الدعوات التي وجهت إلي من المراكز الاسلامية هناك, وكانت بداية هذه اللقاءات لقاء في مقر الأممالمتحدة أعد له ومهده مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة آنئذ, ودعي إلي هذا اللقاء جميع السفراء, وألقيت محاضرة عن الأزهر الشريف وجامعته وعن دوره ورسالته, وانهالت الاسئلة والمناقشات والمداخلات وأجبت علي الفور وكانت الترجمة فورية كذلك, مما فتح لطريق الحوار الوقت الكافي وأتاح لكل من له مداخلة أو سؤال أن يقوم بالطرح حيث كانت النفوس متشوقة وفي شوق للتعرف علي أكبر مؤسسة علمية ودينية في العالم مكثت اكثر من ألف عام, وكانت ردود أفعال هذا اللقاء الذي يعتبر أول لقاء لأول رئيس جامعة في قاعة الأممالمتحدة, كانت ردود الأفعال بعثت لجميع المراكز الاسلامية أن تبعث بدعواتها وأن ترغب في اقامة ملتقيات فكرية ودعوية في رحابها. وكانت هذه اللقاءات لها أهميتها الكبري لإعطاء صورة واضحة المعالم عن الاسلام في عالميته وعن دعوته ووسطيته. ومن أبرز هذه اللقاءات هذا اللقاء الذي تم في المركز الاسلامي في نيويورك, وكان بعد أن قمت بأداء خطبة الجمعة وأداء الصلاة, وتم الترتيب لإلقاء محاضرة دينية عن الإسلام وعن محاسنه وعن سماحته ووسطيته وعالميته, وكانت الترجمة مصاحبة للمحاضرة علي الفور, مما جعل جميع الحاضرين من الأمريكان والعرب وجميع الجنسيات أن يستوعبوا بشكل واضح مضمون الدين الاسلامي ومحاسنه وأنه دين بعث بالرحمة, وبعث رسوله رحمة للعالمين, وتناولت المحاضرة العلاقات الدولية في الإسلام ومعاملة المسلمين لغير المسلمين, وواجب العالم اليوم حيال هذا الدين العالمي الذي قصر الله رسالة رسوله صلي الله عليه وسلم بشأنه في الرحمة حين قال:( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وما إن انتهت المحاضرة إلا ونظرت أمامي فوجدت أعدادا من الحاضرين من جوانب الحشد الحاضر يقدمون علي فيهم الرجال وفيهم النساء وفيهم الكبار وفيهم الشباب وفيهم المبتسم وفيهم الباكي, فعجبت لهذا المنظر وقلت في نفسي من هؤلاء الناس؟ وتساءلت: ماذا يريدون؟ فأجابني بعض الحاضرين قائلا إن هؤلاء القادمين عليك عندما استمعوا إلي ترجمة محاضرتك المقنعة عن محاسن الإسلام وعظمته اقتنعوا وجاءوا ليعلنوا الإسلام الآن علي يديك, أقول ذلك من باب التحدث بنعمة الله الذي قال:(وأما بنعمة ربك فحدث) فاستقبلتهم وقد غمرتني فرحة لا أستطيع وصفها لأنني من شدة فرحتي كنت أبكي أثناء استقبالهم وأحيانا عندما يشتد الفرح يفضي إلي البكاء. وأخذت ألقنهم شهادة ان لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله وأخذنا جميعا نكبر الله هاتفين من الأعماق جميعا: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا, وعندما كنا نكبر الله تعالي كنت أري وكأن المدينة كلها تكبر معنا وتهتز خشوعا وإجلالا لهذا الموقف المهيب. وظلت هذه اللقاءات الدعوية, والمحاضرات الدينية, مستمرة في جميع المراكز الاسلامية, وفي جميع الولايات التي بادرت بدعوتي, وكان المسلمون هناك يقولون إننا نعتبر هذا اليوم عيدا من أهم أعيادنا. وعندما سئلت عن السبب في كتابتي لقصيدة: نهج البردة أجبت السائل بما حدث, وهو أنني كنت في زيارة بالمدينةالمنورة علي ساكنها رسول الله صلي الله عليه وسلم أزكي الصلاة والسلام وعند خروجي من باب جبريل ناداني أحد الناس وهو يقسم بأنه رأي في منامه رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يخبره بأنني أكتب عنه قصيدة لكنني عدت من رحلتي وحملت هذه الرؤيا علي حسن ظن من صاحبها, إلا أنني ما إن وصلت القاهرة إلا وجدت إنسانا آخر يذكر الرؤيا نفسها فقلت في نفسي: مادام الأمر قد تكرر فليس لي اختيار وهذا يعتبر تكليفا لابد أن أقوم به لكتابة نهج البردة, واغتنمت فرصة السفر لأداء فريضة الحج وان الرحلة تبدأ أولا بالمدينة, فقلت: إذن فلأبدأ هذه الرحلة بكتابة نهج البردة خاصة أنني سأقضي في المدينة أكبر وقت وفي جوار من سأكتب عنه وهو الرسول صلي الله عليه وسلم. وبدأت وأنا في الطائرة أكتب المقدمة فرأيتني أكتب: لاحت لعيني أنوار بذي سلم ياحادي الركب أسرع بي إلي الحرم يهفو الفؤاد لخير الخلق قاطبة ومنبع النور والتوحيد والكرم فحبه في دمائي قد سري وجري وذكره عاش في قلبي وفوق فمي وكيف لا وهو هادينا ومنقذنا من الجهالة والآثام والظلم وكم يشرفني إذ ينتمي نسبي لأشرف الخلق ضمن الآل والرحم وزادني شرفا أني أكون له أو في المحبين أو في زمرة الخدم وما إن حطت الطائرة في مطار المدينة الا وجدت بجوارها سيارة وشخصية هامة تسأل تقول أين الدكتور أحمد عمر هاشم؟ فقلت: نعم قال: أنت في ضيافة خادم الحرمين الشريفين, فقلت: إننا مجموعة وقد تم إجراء الحجز لنا وجئنا علي حسابنا فقال: أنت ومن معك في ضيافة خادم الحرمين مع العلم بأنني لم أخبر أحدا من المسئولين أو المراسم بالرحلة, لكنني فهمت أن نهج البردة وتواصل الحب بالشفيع الكريم صلي الله عليه وسلم كان من أهم أسباب هذا التكريم. فاللهم كما أكرمتنا وكرمتنا في دنيانا أكرمنا وكرمنا فيأخرانا يارب العالمين, وبالله التوفيق.