الجهود التي يبذلها أساتذة الجامعات, للمطالبة بإقالة القيادات الجامعية تواجه اليوم بضغوط عاتية, وحملات تعبئة تديرها نخبة من قيادات الجامعة من أعوان النظام الذين لا يزالون يسيطرون علي مقاليد الإدارة في الجامعات المصرية. والحقيقة أن مقال الدكتورة هند حنفي رئيس جامعة الاسكندرية المنشور بالأهرام (9/8/2011) يأتي في اطار هذه الحملة كمحاولة جديدة لعرقلة كل خطوة إيجابية يطالب بها الجامعيون, بذرائع سطحية هشة تصدر فقط عن حسابات ذاتية ضعيفة تريد الاستمساك بمكتسباتها التي حققتها في العهد البائد. ولقد استندت الدكتورة هند في دفاعها عن مبدأ استمرار القيادات الجامعية الحالية في ممارسة اعمالها حتي تنتهي مدتها القانونية انتهاء طبيعيا, الي ثلاثة مبررات تتعلق أساسا بما يلي: 1 الشرعية الدستورية والشرعية القانونية التي تعمل في اطارها القيادات الجامعية الحالية. 2 هيبة الأساتذة وكرامتهم وقيمة الجامعة امام المجتمع والطلاب. 3 مبدأ الإقصاء الذي ينطوي عليه قرار اقالة القيادات الجامعية لا يسوغه أي قانون أو منطق, ويعد عقابا في غير محله. وأولي الملاحظات التي يمكن رصدها علي المقال أن الدكتورة هند تتحدث عن اختيار القيادات الجامعية علي أنه كان يتم وفق قواعد ومعايير تضمنها قانون تنظيم الجامعات.. ولا نعرف بالضبط أية قواعد ومعايير تقصدها الأستاذة الدكتورة هند؟ فلم يكن اختيار القيادات الجامعية يتم وفقا لأي ضوابط أو معايير مثل القدرة علي القيادة الإدارية, أو السعة العلمية السوية, أو العلاقات الإنسانية مع أعضاء هيئة التدريس وهيئة الإدارة بالكليات, أو في ضوء اهتمام الأساتذة بقضايا التنمية وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي.. بل كان المعيار الوحيد الذي يعرفه جميع أساتذة الجامعات المصرية هو الاستعداد للتعاون مع النظام السياسي ومع الإدارة العليا بالجامعة بالنسبة لعمداء الكليات ومع جهاز أمن الدولة والحزب الوطني والنظام السياسي السائد بالنسبة للمجتمع. ولعل الدكتورة هند تتذكر أيضا أن نموذج القيادات الجامعية التي تدافع سيادتها عن شرعيتها القانونية والدستورية هو النموذج الذي فكر ذات يوم في التخلي عن جامعة الإسكندرية ووضع مشروعا لبيعها ونقلها الي مكان آخر لحساب المصالح الشخصية للمقربين من النظام السابق. كما أنه النموذج الذي أهمل المستشفيات الجامعية وأودي هذا الإهمال بحياة أطفال ماتوا ضحية إخلال هذه القيادات بواجباتها الأساسية.. ولعلها تتذكر جيدا أن المبدأ الذي كان سائدا في تعيين العمداء والوكلاء بالإسكندرية في بعض المراحل اتجه الي إختيار الأقل كفاءة والأضعف قدرة والأحداث في التدرج الوظيفي وبالتخطي للوكلاء من ذوي الخبرة الإدارية خلافا لما ما تدعيه سيادتها عن تعيينهم وفقا لقواعد ومعايير قانونية.. ومن صور المجاملات والمحسوبية الصارخة في دلالتها قيام أحد رؤساء جامعة الإسكندرية بتعيين شقيق وزير التعليم العالي في منصب عميد كلية الحقوق متخطيا كثيرا من الأساتذة الأقدم والأكثر خبرة وكفاءة.. القضية الثانية التي يطرحها مقال رئيسة جامعة الإسكندرية في الدفاع عن ضرورة استمرار القيادات الجامعية في مناصبها هي أهمية النظر إلي مسألة تنحية القيادات الجامعية من منظور هيبة الأساتذة وكرامتهم وقيمة الجامعة أمام المجتمع والطلاب, إذ أن إقالة القيادات الحالية من وجهة نظر الدكتورة هند يعد إهانة لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات الحاليين بل وانتقاصا من كرامتهم. والواقع أن أي قراءة منصفة للواقع الجامعي الراهن يكشف بوضوح أن الموضوع ليس كرامة وعزة وخلافه ولكنه صراع بين من هم مع الثورة ومن هم ضد الثورة, إن المطالبة بإقالة القيادات الجامعية المعينة بواسطة النظام السياسي البائد هو أحد مطالب الثورة.. في حين أن استمرار هذه القيادات في أعمالها يستفيد منها أعداء الثورة بشكل كبير في أن يحشد خلفهم أصوات ورايات كثيرة تتعاطف مع ما يتم تصويره زيفا وبهتانا علي أنه مؤامرة فيها إخلال بكرامة هذه القيادات الجامعية. وفي هذا المقال, لاتجد رئيسة جامعة الإسكندرية أي غضاضة في أن يكون توافر شروط الهيبة والكرامة بالقياس إلي القيادات الجامعية أمر حيوي وضروري, ولكنه ليس كذلك حين ينسب الي الأساتذة العاديين وأعضاء هيئة التدريس. لقد شاركت القيادات الجامعية الحالية والسابقة في صياغة وتأييد وتمرير قائمة طويلة عريضة من التنازلات الجامعية في مقدمتها مشروعات القوانين المشئومة التي كان من شأنها أن وضعت قيودا حديدية علي الاستقلال الجامعي وكبلت أعناق. الأساتذة وحرمتهم من اختيار قياداتهم الجامعية وأهانت كراسة النخبة الجامعية وأدت إلي حرمان الوطن والمواطن من الثروة الوطنية والعلمية التي تراكمت لمصر بعد سنوات طويلة من شيوخ العلماء والمفكرين.. فأية هيبة أو كرامة يمكن التحدث عنها للقيادات الجامعية في صمتها الكامل حول استقلال الجامعات ورضوخها المطلق لتعليمات أمن الدولة في تعيين المعيدين والعمداء؟ وأية إمكانية للتباهي بكرامة المناصب الجامعية القيادية وقد كان مفروضا عليها الامتناع تماما عن الدفاع عن كرامة الأساتذة واستقلالهم الفكري والعلمي وحريتهم في الرأي والتعبير عن حقهم في الشعور بالأمن والاستقرار الوظيفي؟ وأي مشجع علي التفاخر بالمنصب الجامعي حين تكون كل مؤهلاته شهادة الحزب الوطني والتعاون مع أمن الدولة وإدارة الجامعة أو الكلية بعقلية رجل أمن الدولة؟. أما القضية الثالثة التي تتناولها الدكتورة هند حنفي في مقالها للدفاع عن استمرار القيادات الجامعية الحالية فهي قضية الإقصاء المتعمد الذي يتنافي من وجهة نظرها مع قيمة العدالة التي قامت من أجل ترسيخها ثورة 25 يناير, وأن قرار تنحية القيادات جاء تحت ضغوط وقفات احتجاجية لبعض أعضاء هيئة التدريس لم يزد عدد المشاركين فيها علي بضع عشرات ولم تستطع أن تجتذب إليها أعدادا كبيرة من الأساتذة.. وإذ يلاحظ حضور متميز لفكرة الإقصاء التي تتنافي مع مباديء الثورة في مقال الدكتورة هند فإننا في الواقع لا نعرف أي إقصاء هذا الذي تتحدث عنه رئيسة الجامعة..؟ هل غاب عن الأذهان واقع إقصاء جميع القيادات الفكرية والسياسية الجامعية الخارجة عن الحزب الوطني ولجنة السياسات عن أي مناصب إدارية داخل الجامعات في العهد البائد؟ لقد برزت طوال فترة حكم مبارك أنياب ومخالب احتكار السلطة الإدارية والأمنية إدارة نوادي التدريس جنبا إلي جنب مع استمرار قبضة احتكار الحزب الوطني والأجهزة الأمنية للمناصب القيادية في الجامعات.. وكان هذا الاحتكار يقول علي رؤوس الأشهاد أن ما يحدث يقصد به بالدرجة الأولي منع أي عناصر غير موالية لحكومة الحزب الوطني من تولي أي مناصب جامعية وتعيين أعداد كبيرة أكثرهم لا يملكون الخبرة ولا الكفاءة التي تؤهلهم للمناصب القيادية, وقفزت إلي مواقع القيادة الجامعية عناصر ليس لديها أي خبرات.. فلماذا تقلب الدكتورة هند حقائق الأمور؟..