حمدي البطران كاتب في أدبياتنا اللغوية والأسلوبية تنويعات عديدة لاستعمال مصطلح الاختلاف, فقه الاختلاف, وأدب الاختلاف, وثقافة الاختلاف. . ,وقد حاولت جاهدا أن أعثر في قواميسنا اللغوية علي المعني اللغوي للكلمة, فلم أجد سوي التباين و المخالفة و المغايرة خ ل ف]. مصدر اختلف. أي.حصل اختلاف في الرأي بينهم أو تضارب في الرأي, أو انعدام الاتفاق. ويقال: اختلف الناس في كذا, والناس خلفة أي مختلفون, لأن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه, ويقيم نفسه مقام الذي نحاه. وفي الشرع تعني كلمة الاختلاف التضاد والتعارض. وفي حياتنا العامة يعني مصطلح الاختلاف كل ما يغاير أفكارنا ومعتقداتنا ومبادئنا, لأجل هذا نشأت النزاعات والصراعات. ولأن عقليتنا أبوية, قبلية, وتربينا علي فضيلة الطاعة, فقد تعذر علينا مخالفة الأب, ومن ثم مخالفة رب القبيلة وسيدها, وبعد ذلك تعذر علينا مخالفة الحكام الذين أفسدوا حياتنا, بل واعتبرنا طاعتهم من طاعة الله, وفي بعض أدبيات الفقه لا يجوز الخروج علي الحاكم حتي ولو فسد. المرة الوحيدة التي توحدنا فيها, وخرجنا علي الحاكم, لم يستمر توحدنا طويلا, وسرعان ما اختلفنا, كان اختلافنا هائلا, بحجم ثورتنا. وتمخض الأمر عن فرق تجلس في أقصي اليمين, وفرق تجلس في أقصي اليسار, وبينهما تمرح أيديولوجيات, وائتلافات, وتحالفات, وأحزاب, وجماعات, ما أنزل الله بها من سلطان. أنظر إلي صحفنا ومجلاتنا وقنواتنا الفضائية وإعلامنا, كل ما فيها ينبئ عن عصبية خلافاتنا وقسوتها وجبروتها. صراخ, نشيج, تشنج, تهديد, وعيد, ترغيب, ترهيب. وخلافات تستعصي علي الحل. ومع أن الإختلاف أمر وارد, ومن طبائع الأشياء, إلا أننا اعتبرناه معصية, ومع ذلك تمسكنا بمعصية اختلافاتنا وخلافاتنا علي مر تاريخنا الماضي كله, كتراث قبلي نابع من العصبية, ولم نحاول أن نبحث في الأسباب, إلا عندما داهمتنا الحضارة الغربية باختلافاتها الجذرية, وخشينا من هيمنتها وسيطرتها, فحاولنا أن نتفهم المعني العلوي والسامي للإختلاف, وقلنا بثقافة الإختلاف, وبدأنا نبحث عن أطر للوقوف علي أسباب التقارب بدلا من أسباب الخلاف. لقد قادتنا خلافاتنا إلي التخلف, وأصبح ما نعاني منه الآن من تشرذم وتخلف, في كل قضايانا وأمور حياتنا, نتيجة طبيعية لعدم فهمنا لثقافة التسامح. إننا كشرقيين لا نتقبل الاعتراف بفكرة الاختلاف في الرأي, ولا نطيق احترام الرأي الآخر المخالف لنا, ونتشدق كثيرا بقدرتنا علي الصبر علي مخالفينا, ومع ذلك فإننا لا نطيقهم, ويبدو احترامنا للمخالفين لنا نظريا, علي أوراق مدوناتنا فقط, احترام ينقصه التطبيق العملي في حياتنا, وتحولت اختلافاتنا مع الوقت, إلي خلافات تنهش تقدمنا ورخاءنا ونمونا وثورتنا الوليدة. لقد علت أصواتنا من أجل إبراز وجهة نظرنا, وسماع مخالفينا, لنبدو متسامحين, وتطور الأمر, وحاول الجهلاء منا فرض الرأي بالقوة, دون مراعاة لقدسية وأبدية الاختلافات, لأننا لم نتفهم جيدا ثقافة الاختلاف. نحن نتكلم جيدا عن ثقافة الاختلاف. وأيضا ثقافة التسامح. ولكننا نمارس فقط ثقافة الأختلاف, نمارسها عن عمد, دون أي أحترام لمشاعر المختلفين معنا, وجعلناها مصطلحا مثل آلاف المصطلحات التي نترنم بها عندما نقع في مشكلة. تماما كمصطلح الوحدة الوطنية. وثقافة الحوار, والمواطنة, وثقافة التغيير, والتقدم, وغيرها من المصطلحات التي نكررها دون أن نعيها. ونرددها دون أن نحاول تفعيل معناها أو حتي تطبيقها. ونسينا أن ثقافة التسامح انتصار للفكر الإنساني, وبها تقدم الآخرون. عندما تقدمنا قليلا, بدأنا نفكر في ثقافة التسامح, ظهرت الحكمة البليغة التي نكررها كلما ظهرت بادرة خلاف وهي أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, نحاول أن نطفئ بها ما تأجج من خلافات, ويكون الوقت قد فات, ويقع ما لا نريده أن يقع, عندها يعترينا الندم, ونعود من جديد الي جادة الرأي الصواب, علي الأوراق, وفي المنتديات, وأمام الكاميرات في الفضائيات, ونقبل اللحي والأكتاف, ونرفع أيادي الوحدة عاليا, وبراءة الذئاب في أعيننا, في ود مصطنع, ومع ذلك فلا نمل من تكرار حكمتنا البليغة, التي اخترعناها لأنفسنا, الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.