راجي عفو الخلاق.... أراجوز بسيط ومحتاج. وإحتياجي لا للمياه و لا للزاد. فالاراجوز روحه في الحكايات ورواية الماضي وكل ما فات. وهكذا يا أفاضل من النساء والرجال وجدت أن الحل في شاعر فنان يعني حكواتي من بتوع زمان. يقول الحكاية علي الربابة والدف في مقهي شعبي حضوره تمام. فبعد الصلاة علي النبي العدنان نحكي عن تصاريف القدر والزمان. حكايات صندوق الدنيا التي لا تحدث الا في الخيال. وحكايتنا التالية حدثت في بر المحروسة في زمن حملة الفرنسيس ووصول قائدهم الفذ بونابرت الذي كان اسمه يثير الفزع بين الآنام. ومن أجله ولمقامه العالي كان رفضه هو الآخر عاليا ومدويا بين الاسماع. ومن أجل وجوده ووجود جنده الذي داهم كل شوارع القلعة والأزهر وبولاق كانت هناك ثورة مهيبة للأهالي علي رؤوس الأشهاد. ولان ما حدث يعيش إلي الان كذكري من زمن فات, فعلينا الرجوع بالأيام إلي الوراء وتحديدا إلي نهاية القرن الثامن عشر وفي بر المحروسة لنتآمل كل خبر كان. فماذا يقول المصري أمام سلطان وجبروت من جاء من الخارج بأجندة في تفاصيلها كان يا ما كان. والمهم ان الحكاية تنتهي بالخير والكل في سلام.. حتي الظالم يهتدي وتصبح الايام وكما يقولوا في القصص الشعبي والامثال أيام التبات والنبات. و نعود إلي الاراجوز في حجرته وقد اتفقنا إن حديث الاراجوز لابد وان تسبقه ديباجة لا يزوغ عن معناها ولا تبعده الكلمات, وفي أيام رمضان الكريم غالبا ما يختلف الحال وخاصة ان الاراجوز تعود أن يستيقظ من نومه متأخرا عن المعتاد. والسبب معروف فالديباجة محفوظة والجديد ان صاحبه الفنان و صديقه الشاعر الهمام كانا قد تعودا من زمن كان في هذا الشهر الفضيل أن يقضيا الليل بطوله مع العزف والالحان. فقبل السحور يا كرام كان يحلي الحديث والاستماع لتعليقات كل من جلس بالمكان و قرض الشعر وسط دخان النرجيلة وأكواب القهوة والشاي, فقد كان الجميع في صحبة حلو الكلام حتي مجئ الصباح الذي دائما ما يفاجئهما علي سهوة ويأخذهما من وسط الجمع والخلان. -1- فالقصة مصرية و كانت تتكرر كل ليلة حتي وان تغيرت التفاصيل بحلو الغناء والالحان.. وما يحلي الكلام الابذكر الحبيب المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام. والحكاية اليوم غير أي قصة ورواية. ولهذا حرص الأراجوز منذ الصباح الباكر أن يسبق الشاعر في مراجعة الأحداث. فبعد موت الحاكم بيبي الثاني دارت الأيام واتولد بدل الطفل عشرة وعشرين وعاشت واتسرقت أحلام إلي ان وصلنا لزمن بونابرت وهو واحد من أصحاب الاحلام الذين حلوا علي أرض المحروسة مرة بوجه واعظ ومرة بوجه غازي والثالثة بوجه من يريد القول بان البشر والانام أخوة في عهد السلام. أما عن المحروسة مصر فكان ويلها ويلين. فقد كانت إلي زمن جاء فيه ذلك القائد العتيد تذكر أمجاد فرسان المسلمين الذين أضافوا إلي دفتر الشجعان. فمنذ مجئ عمرو بن العاص ودخول خيوله بر مصر والناس تنظر إلي هؤلاء العرب الذين جاءوا بالدين الحنيف الذي تآلف وتحالف مع النهار الذي يطلع, وضربة الفأس في الأرض التي تهدر, وشربة مياه النيل التي تشفي كل عليل ومجتمع الناس في الحضر والريف حتي أندمج كل ما كان وأصبح كيانا وشريعة داخل الأمة المصرية. ويتوقف الأراجوز بعد أن يسمع صوت يصدر من الغرفة المجاورة. فهذا الصوت قد قطع حبل أفكاره التي يعود إليها مرغما. ليتكرر الصوت مرة أخري ويرفع الاراجوز رأسه ليجد شاعره الهمام يقف أمامه وهو يلومه لا علي صوته الذي أوقظه قبل العرض ولكن علي القصة نفسها التي فاته منها الشئ الكثير ولم يسمع منها سوي كلمته الأخيرة... الأمة المصرية. - هل توقفت عند هذا الوصف الأمة المصرية يا أراجوز؟ -نعم الامة المصرية وهل تحسبني وجدتها في كتابك. أم تراني سرقتها من أشعارك؟! فالكلمة موجودة قبل مني ومنك ومن زمن الحاكم مينا وقبل منه برهان. فيا ريت ننسي كتب الكتاب وتنظير الحكماء ونحن نقترب من هذه الايام..حيث أن هذا المشهد أكبر من أي كلام. ولكن من المهم أولا أن نتفق أن الحاكم من قبل زمن ابن العباس وأولاد طولون و الحكام المغاربة الفاطميين والعسكرالايوبيين والمماليك وحتي نصل مع الحكي والكلام إلي زمن أولاد الترك وآل عثمان لم يكن مصريا. ولهذا في ذلك الزمن كانت مصر تبحث عن ثوب يناسبها وسط حكام ليسوا من أولاد البلد. بعضهم أستمرأ الكرسي والسلطان,وأعتقد انه مصر بظلها وكيانها يفعل ما يشاء في نيلها ويظن أن أهلها في الاصل مجرد خدامها. ولهذا لم يري من وراء الكرسي والصولجان أكثر من شبر لا يتجاوز موطن قدميه وخيال الكرسي والعرش وصهبجية المال والسلطان. أما عن الثوب المصري الذي قد ضاع بين الازقة والحواري فلم يكن الا الشغل الشاغل للمصريين. فما أشبه اليوم بالبارحة في بعض الامور والاحيان... ولكن أيضا ما أشبه يا شاعر يا همام من يعيش وهو لا يعرف الفرق بينهما بقطعة خشب صماء أو حمار يتسلي بهز ذيله وهو يقف أمام أي دكان بحجة أبعاد الذباب ليشد حيله قبل أن يواصل طريقه. فقد تعود المصريون وبعد زمن من حكم أجنبي لا يعرف الكثير عن الارض المباركة.. ان يكتفوا بالفرحة برحيل واحد في مقابل مجئ أخر. فربما كان المفيد في الجديد وعفا الله تعالي عما سلف وما كان. وان كنا لا ننسي أن هناك ثوار ومجددين في كل وقت مر علي أرض المحروسة. -2- وحكايتنا تبدأ مع يوم وكما يقول الاجداد لم تطلع له شمس رمي فيه البحر ضمن ما يرمي عسكر الفرنجة والفرنسيس. وقبل أن ينتصف النهار كانت عدد الحرب والمدافع وفرقعات البنادق قد توزعت بالعدل والمساواة علي كل بطون الاسكندرية. وأمام هذا المد الفرنساوي كان لابد من مد أخر من أولاد المصراوية الذين دافع كل واحد منهم عن أرضه وعرضه وبحره وسمائه بكل ما يمكن أن يحمل ولا يجعله يجلس في بيته مهان. فهكذا وفي ساعات قليلة حط هؤلاء الكفار بحقيقة الارض المصرية علي الشط وذهبوا في إتجاه المحروسة يدعمهم المؤن والعتاد. صحيح أن أهل البحر استبسلوا وهان كل رخيص وغالي في سبيل مصر الا ان المشكلة كانت في الثوب المصري الذي كان مطوي في قماشه السلاح والعتاد. فقد ضاع الثوب من زمن ولم يكن هناك بد من حلة أو صحون ثقيلة أوحتي عصا الغلابة للذود عن البلد والولد. ويقال فيما يقال أن الفلاحين قد تركوا أرضهم وحملوا فؤوسهم وان صياحهم كان يسمع في كل مكان. أما أصعب ما كان فهو موت حميدة تحت عجلات العسكر والفرسان الذين اعتقدوا ان مصر مجرد أرض أخذوها من الترك بحكمة الصولجان والديدبان. المهم أنهم وصلوا إلي بر مصر المحروسة قاهرة المعز يدفعهم العنجهية والاذلال لكل أولاد البلد الذين قالوا يومها انه حتي العثمانلية لم يكونوا بهذا القهر والطغيان. - لكن ياراجوز هل نعتبره مجرد كلام لأولاد البلد في وصف غازي يصبح في خبر كان. لا يا شاعرنا فالطريق أمامنا طويل والاحداث يمكن تأخذنا لسنة قدام.- فقد تصادف أن يكون وصول الفرنسيس يوم وفاء النيل في أوان البلح الاسود والكل كان يمني نفسه بفسحة في الخلاء وإحتفال بعيد مصري تمام التمام. وحاول الفرنسيون وهم يوزعون المنشورات أن ينزلوا إلي النيل بحثا عن نصيب في المتع والاحلام. فلم يطاوعهم النيل و لاأهل المكان الذي أتخذ كل منهم ساترا دون تقدم الفرنسيس إلي مقياس النيل بالروضة وأعتبروا إحتفال العام في خبر كان. ولم يمنع هذا الغازي عن خططه ولا عن تودده المصطنع الذي أعتبره رسالة بعلم الوصول. فبونابرت عندما جاء رأي فيما يري النائم انه أصبح فرعون البلاد. وان مصر دانت له بعظيم العلم والاكتشافات, فذهب في كل مكان محاطا بمن يصفون له جنة الرحمن ويكتبون عن مصر المحروسة بكل شكل كان. وبسرعة يجلس بونابرت علي كرسي الحكام ولأنه في الاصل لم يشرب من مياه المحروسة من أي سقا يحمل فوق ظهره مياه النيل كرامة لأهل كل حي مصري يخاف عليه من العطش والحرمان, ولانه لم يكن يوما من مرتادي الغيطان ولا شاطئ النيل في ساعة عصاري ولا رأي عودة فلاح لأرضه قبل ما يتمسي الليل ويرخي سدوله الكثيفة ويلف المكان الا ليالي أراد لها الحي العظيم أن يسير فيها الناس مؤتنسين بالقمر وتعمر فيها الطرق والمسالك. وكل من أراد طرق ففي نور البدر سالك الا جبان لا يعرف وجه مصر الجميل والمصان بحمي الخالق الوهاب. وبسرعة يظن بونابرتة أن عسكر الفرنسيس قد ملكوا المحروسة وان خصومهم الانجليز سوف يكونون وحدهم من يحترقون غيظا في سفنهم الرابضة في البحر. وأن الهند ليست وحدها أكبر ميزة فهنا أرض المحروسة لها من الخير أيضا نصيب. فإذا كان الترك قد انسحبوا بقيادة مراد بك وإبراهيم بك ولم يبق من زمن المماليك والعثمانلية الا هذه البيوت الجميلة التي سكنها أفراد الحملة الفرنسية وأضاعوا عهدة ملكيتها وعقودها و أعتبروها ترمز إلي زمن فات فإن البيوت المصرية الصميمة كانت تدور فيها نكت علي الفرنسيس وتعليقات. -3- وهكذا يا كرام والقول في الفن للشاعر الهمام ظن الفرنسيس أنهم جالسون في بر مصر ليمتد الزمن ويهرول بخطواته كيفما يشاء الا أن منشورات بونابرت وفيما يبدو لم تشفع له بين الناس. ففي بر مصر كان الناس ككل مكان في الدنيا يعيشون طبقات. فمنهم شهبندر التجار يبيع العطر والمعدن والديباج وأضافة إلي الخيامين والنحاسين والفحامين والنجارين وأولاد السكرية والسروجية ومنهم حرافيش يجروا في الشوراع والازقة بلا هوية. وبونابرتة لما أقترب ورأي طبقات مصر المحروسة قال مفيش غير رسالة الاسلام أبلغ بها مرادي وتهدأ الاوضاع ويعم الانسجام. والسلطان العثماني في الاصل كان حبيب ولكنه أصبح بين يوم وليلة عدو يتربص بالآنام. ولكي تكون الدائرة مغلقة لا ينفذ منها تمرد وينسي الناس ما حدث في الاسكندرية وإعدام السيد محمد كريم كبير الشجعان, لابد من رسالة سلام في صورة فن وعلم يعيش في بيت السناري وكاشف والمجمع العلمي والديوان. حاجات كثيرة وأفكار ظن بونابرت انه يخفي فيها أجندته التي جاءت مندسة في ثوب فرنسي فيه المؤن والعتاد. قام الحرافيش وفي غفلة منه كشفوا وجود الاجندة وهتكوا الثوب صاحب الالوان. أصل الحكاية لم تكن مصرية ولا ينفع السكوت علي نساء ورجال وهم يضحكون علي الخلق والبيوت والكحك المرصوص في الصيجان. ولا ينفع هدم أبواب الحارات ودخول الآزهر بحوافر الخيول ليدهس العسكر كل مكان. فالمشكلة أن الاجندة كانت واضحة لكل طبقات المحروسة ولا يهم تاجر من حرفوش من صانع من ست بيت لا تعرف معني ضرب السيف ولا قولة نكتة علي المقهي بين الناس. وكان وقتها أكتوبر يعلن نهايته والخريف يسدل خيوطه والنسمة الباردة تعشش في كل بيت مصري, وقتها وبعد شهور من مجيئ سيد القوات كان المؤذنون يحرضون الناس من أعلي المآذن للنزول للميدان. ولو سألت أي مصري حرفوش وقتها كان عندكم ميدان التحرير يرد عليك لا يهم فمصر كلها أصبحت ميدان. وأرجع بونابرتة السبب للفرمانات وربما وضعه للقلعة استحكامات. أو ربما الضرائب أو القوانين. ووقتها ألتفت حوله وسأل جندي من الفرنسيس عن سببب واحد مقنع لثورة الحرافيش. فالذين ثاروا لم يكونوا شهبندرات التجارة ولا رؤساء الصناعة ولكن كل مصري بسيط كره من الفرنجة ضحكهم ولعبهم واستهانتهم بكل عزيز, والطين قد زاد بلة وكما يقول الجبرتي بضريبة العقارات التي أوصي بها الديوان. ومحال الخمور موجودة في كل شارع ومكان و أصبح السؤال يتردد بين الجارات..يعني صحيح أختفي الامان بعد سكر الغلمان؟!. وظهر في الشارع والزقاق مين يقول أن الجزار الباشا حاكم جارتنا علي البحرعكا وإبراهيم بك من فلول المماليك هما السبب ولا أحد غيرهم يشار له بالبنان ولكن الحقيقة تختلف في التفاصيل وفي نسب الشجاعة والاقدام. و الحكاية ببساطة أن بونابرته نسي مشهد رآه بأم عينيه وهو خارج من بيت الشريف السادات, فالناس حول البيت كانوا يدعون ويرفعون الصوت قبل الآذن. فالفاتحة لاجل الخلاص من المستعمر البغي صاحب الأجندة الذي يظننا لا نفهم أي مراد. ساعتها قال لبونابرته من حوله انه دعاء..صح دعاء ولكنه طلع من الصدور لرب الكون حمدا لكل من قدره الرحمن علي الفعل وعلي القول. والفاتحة لاجل النبي المختار بلسم ودليل لكل الثوار, نزلوا في كل شارع وزقاق وطلع لهم شيخ البلد الجنرال دبوي, حتي شيخ البلد لما تكون الأجندة اجنبية يصبح وجه أحمر منتفخ بين السرية ولكن الحرافيش هاجمته بين المتاريس عند خان الخليلي وكما يحكي الرواة, فوافته المنية علي الفور, اصبح مصيره مثار كل صاحب رواية ومطية. فكل من ركب دابة في ذات اليوم رأي القذائف وهي تنطلق من كل مكان. وأما بونابرت فبالكاد نجح في الرجوع إلي الأزبكية في وقت كان كل الثوار يهتفوا بعودته للشط ليعود من مكان ما جاء. ولم يجد بونابرت أمام هذا الرفض لأجندته في الدخول بالحرفيش في كيان فرنسي تمام الا توجيه المدفعية لقلب الجامع الأزهر الشريف ليعرف كل حي أي ما كان انه في الحقيقة صعب والعنف يمكن يكون الحل وسط الحرافيش. وتشهد أسواق الغورية والفحامين علي كام حرفوش مصري ضحي بعمره وسط الصريخ والنيران..بلدي ولا أعرف غيرها ومن يأتي من دونا يذوق وابل المقاومة الذي يهزم كل طغيان. بقي لك يا حرفوش زمن تدافع عن نفسك وتهزم عدوك بنكتة تطلقها بين البشر وضحكك يصل إلي السحاب وأما الدعاء فلرب الكون واصل, ولكن ألم يأت الزمن الذي تجد فيه ثوبك وأجندتك وتهزم كل ما كان. فمصر المحروسة وحدها ثورة ضد كل تعصب وهرج ومرج أيا ما كان, وبكره نجني حقنا وتعود بنا الأيام لسابق مجد الفراعنة والعرب والبطالمة. أجناس كثيرة دخلت أرضنا وعاشت بيننا الا المعتدي صاحب أجندة صفحات صفراء آكل لحوم العيال. فيا مصري ما العمل في أكثر من أجندة تقدم لك الان من كل صاحب وجه ممجوج يقف امام أرضك وينتظرك أنك تنهزم أو تغفل وتنام. والحمد لله رب العالمين وكارثة تأخذ كل من اتحدي البشرفي أرض المحروسة من أي مكان كان. وفي النهاية نصلي علي الحبيب المصطفي ونسأل الله تعالي العافية للبلد والآنام. وفي النهاية مرة أخري لا أجد الا كلمة لأقولها لأهل مصر في أي زمن كان عضوا علي مصر بالنواجذ تنعموا بالسلام.... وفي الختام سلام.