التيارات الليبرالية والاحزاب اليسارية لاتزال متمسكة بالدعوة إلي الدولة المدنية وزاد تمسكها بمطلبها بعد أن رفع التيار الاسلامي شعار إسلامية إسلامية في جمعة لم الشمل. والسؤال الآن: كيف تنظر الأحزاب لهذه الدولة المدنية ما هي قواعد هذه الدولة, وما آلياتها؟ الدولة المدنية كما يقول الدكتور رفعت السعيد أمين عام حزب التجمع ليست اختراعا, ومن حيث المظهر فهي ليست عسكرية, ومن حيث الفكر ليست ثيوقراطية أي لا يحكمها من يزعمون أنهم يتحدثون باسم السماء, وإنما هي دولة لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين والجنس, والوضع الاجتماعي, وهي دولة تكفل لمواطنيها كل الحقوق بالتساوي الكامل, والدستور فيها لا يخضع لأغلبية ولا لأقلية, مشيرا إلي أنه كان هناك نوع من الإيحاء بأن الحكم في مصر يميل باتجاه الإخوان, وقد تمثل ذلك في اختيار رئاسة وعضوية لجنة التعديلات الدستورية, وتجلي ذلك الأمر بوضوح أكثر في قانون مباشرة الحقوق السياسية, الذي لم يضع نصا يمنع الإنفاق الزائد, ولا يضع سقفا له, ولا عقوبة علي تجاوزه, وبالتالي أصبحت ميزانية الإنفاق مفتوحة, ومعلوم أيضا من يستطيع أن ينفق إلي ما لا نهاية, كما لم يتضمن القانون نصا يمنع إقحام الشعارات الدينية في العملية الانتخابية, لكن بشكل عام هناك تيار يريد دولة مدنية, وهذا التيار يجب أن يتوحد لكي يحقق إرادته. مرجعية الدستور القانون والأمر كذلك فإن الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية يري أن الدولة المدنية تعني أن مرجعيتها الأساسية هي الدستور والقانون, بالإضافة إلي كل ما يحدده, وما يتكامل معه, وبما يؤكد التزام مصر بالمعاهدات التي توافقت عليها البشرية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وهي مكملة للدستور والقوانين المصرية, وهي دولة تقوم علي أساس المواطنة, وهي في رأيه عماد الدولة المدنية, وفي هذه الدولة المدنية يكون المواطنون جميعا متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز, وأن يتمتع فيها كل المواطنين بحرياتهم وحقوقهم, ومن الناحية الظاهرية, فالدولة المدينة لا هي عسكرية, ولا هي دينية, والسلطة المدنية فيها للشعب, ومصر طوال عمرها دولة مدنية منذ أن قامت الدولة الحديثة, وهي نموذج متحضر, ومشرف للدولة المدنية, فهي دولة تحترم القانون, والدين, وإظهارها بعكس ذلك في تقديري كلام فارغ كما أنها لا تخلط الدين بالسياسة, ويحظي فيها المواطن بحريته في التعبير عن رأيه, وإقامة شعائره الدينية, وهي دولة قادرة علي التطور والإبداع, وقد أثبت التاريخ أن الدولة التي ابتعدت عن نموذج الدولة المدنية, وخضعت لحكم العسكر حدثت بها كوارث. بين الدين والسياسة والواقع والكلام مازال لرئيس حزب الجبهة الديمقراطية أنني أدعو إلي تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة بحيث لا يضر أي منهما بالآخر, ففي الدولة المدنية, يضع الدستور الإسلام في مكانه الحقيقي, ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع, ونحن لا نحتاج لمن يذكرنا بالدولة الإسلامية, فمصر تحترم الدين الإسلامي, وهي بلد الأزهر الذي قاد الدعوة الإسلامية طوال قرون عديدة, ولايزال, ومن حق الجميع في النهاية أن يعبروا عن آرائهم بشرط احترام قواعد الديمقراطية, والقبول بالآخر, فما حدث في الجمعة الماضية جعل الناس تشعر بأنه هناك توجهات لا علاقة لها بالديمقراطية. مدنية.. لا عسكرية ولا دينية يتفق معه الدكتور عمرو حمزاوي وكيل المؤسسين لحزب مصر الحرية مؤكدا أيضا أنه لا خلاف حول طبيعة الدولة المدنية, فهي ليست عسكرية ولا دينية... ويدار الشأن العام فيها من خلال سلطات عامة تشريعية, وتنفيذية, تنتخب من الشعب, وتراقب المؤسسة العسكرية والأمنية, ولا تحكم هذه الدولة باسم الدين, سواء كان ذلك من قبل فرد أو جماعة أو مجموعة أو مؤسسة, وهي أيضا دولة مواطنة, وحقوق متساوية للجميع دون تمييز, وهي أيضا دولة تضمن الحريات المدنية, والسياسية, والدينية, بما لا يتعارض مع الصالح العام, والمرجعية الأساسية لهذه الدولة هي الدستور والقانون, وبداخل هذه المرجعية الدستورية مرجعية دينية وتتمثل في المادة الثانية من الدستور مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. والدولة المدنية كما يقول حمزاوي لا تعادي الدين لكنها تنظم العلاقة بين الدين والسياسة, لضمان عدم احتكار الحديث باسم الدين, وعدم الخلط بين المساحة الدينية, والنواحي السياسية, فالدين مقدس, بينما السياسة بها تقلبات ومرونة, لكنها يجب أن تبقي سياسة نزيهة تبغي الصالح العام, من هنا تهدف الدولة المدنية لتنظيم العلاقة بين المساحتين السياسية, والدينية, بحيث لا يحدث خلط بين الدين والسياسة.. وأنا مازلت أؤمن بأن أغلبية المواطنين يريدون دولة ذات طبيعة مدنية, وفي الجانب الآخر من المشهد السياسي هناك مجموعة تريد الاستئثار بمستقبل الوطن, ومصيره, وتحتكر الحديث في السياسة بأسم الدين, ولا يلتزمون بما يقطعون علي أنفسهم من تعهدات, لكن في النهاية أقول أن القوي السياسية لابد أن تقوم بالتنسيق, فيما بينها, إن لم يكن اندماجا, بحيث نتلافي أخطاءنا, ونحن نبحث عن التوافق في المرحلة المقبلة لمصلحة الوطن, لأن الاختلاف, يقلق الرأي العام. إسلامية... إسلامية وقد خلق شعار إسلامية.. إسلامية الذي أطلقه التيار الديني خلال الجمعة قبل الماضية في ميدان التحرير كما يقول طارق زيدان منسق عام ائتلاف مصر الحرة حالة من الالتباس لدي البعض, فالشعار في تقديري لا يعني المطالبة بدولة دينية, لكن كان المقصود منه التأكيد علي هوية الدولة, وأن مصر دولة إسلامية, ولم يقل أحد غير ذلك.. فالسلطة الدينية ليست موجودة في الإسلام إلا عند الشيعة, والسلفيون هم أكبر فصيل مضاد لهم. ولان شعار الشعب يريد كذا وكذا قد أصبح شعارا عاما, وثابتا منذ قيام ثورة52 يناير, فإن السلفيين قد اتخذوا شعارا أيضا حين قالوا أن الشعب يريد تطبيق الشريعة, وهذا لا يعني أنهم يريدون فرض رؤيتهم علي الشعب المصري, لاسيما أنهم لم يفرضوها من قبل, ولم يسعوا إلي ذلك, وكما هو معروف فإن السلفيين لم يمارسوا العنف, ولم يخرجوا بالسلاح, ومن حق كل فصيل أن يعبر عن رأيه, ويبقي صندوق الانتخابات هو الفيصل في النهاية, وإذا حدثت الانتخابات, وأصبح لدينا ممثلون حقيقيون عن الشعب سنعرف وقتها ماذا يريد الشعب. احتكار الحديث باسم الدين غير أن أبو العز الحريري أحد مؤسسي التحالف الشعبي الاشتراكي يؤيد الدولة الديمقراطية, وليس الدولة المدنية لأنها قد تكون مدنية ويحكمها ديكتاتور, والديمقراطية هي التي تأتي بالأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية, كالحوار, وحرية الرأي والتعبير, واحترام وقبول الآخر, وحرية انسياب المعلومات, والشفافية والنزاهة, واحترام الدستور والقانون, وتطبيقه علي كل المواطنين دون استثناء. ولاشك في أننا نواجه حاليا أكبر المخاطر التي تحيط بالثورة المصرية, وأتذكر جملة شهيرة ل علي بلحاج أحد قادة جبهة الإنقاذ السياسي في الجزائر, والذي قاد أكبر حملة لجمع توكيلات للانتخابات باسم الدين, وحين تحقق له الأغلبية, وتصور أن الجزائر قد دانت له, أطلق صرخته المدوية لقد جئنا بقطار الديمقراطية لنقول لها وداعا... وهذا في تقديري يمثل جوهر ما كان يحدث في الجمعة الماضية, وبرغم اعتقادي في أن القوي التي كانت موجودة يوم الجمعة الماضية في ميدان التحرير مخلصة ووطنية, ولديها توجهات طيبة إلا أن هذه التوجهات ليست السبيل للحياة الصحيحة.