جرت مياه كثيرة في نهر العلاقات المصرية الأمريكية بعد ستة شهور من الشرارة الأولي لثورة25 يناير التي أطاحت بنظام الحكم السابق ودشنت بدايات عهد جديد للتحول الديمقراطي وعصر جديد للسياسة الخارجية المصرية. وفي ظل تعقيدات العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن نقدم ملفا خاصا يعالج قضيتين رئيسيتين في الأولي قدمنا رؤية خاصة بالولايات المتحدة لمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وكيف تجاوزت الإدارة الأمريكية أمر المحاكمة لاستعادة الثقة مع الحليف الأقليمي الأهم في العالم العربي وفي القضية الثانية نتناول مسألة العلاقات المتداخلة بين الإدارة الأمريكية الممثلة في وزارة الخارجية والكونجرس وكيف تؤثر السياسات الداخلية علي مسألة المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. * المساعدات الخارجية الأمريكية: صراع الأجنحة بين الخارجية والكونجرس شهد مجلس النواب الأمريكي قبل أيام مواجهة صريحة بين رؤية نواب الأغلبية الجمهورية ووزارة الخارجية الأمريكية خلال تصويت لجنة الإعتمادات علي مشروع قانون موازنة المساعدات الخارجية لعام2012 خاصة بعد الكشف عن مضمون خطاب أرسلته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلي لجنة الشئون الخارجية تحتج فيه علي وضع قيود وشروط علي المساعدات المقدمة لأطراف عديدة من بينها مصر واليمن والسلطة الفلسطينية ولبنان. ورغم موافقة اللجنة علي نص المشروع إلا أن مجلس الشيوخ بأغلبيته الديمقراطية هو صاحب القول الفصل ويحق للرئيس باراك أوباما أيضا أن يستخدم الفيتو ضد تعديلات يراها تضر بالأمن القومي ومصالح بلاده الخارجية. وقد كشفت مواجهة الأسبوع الماضي عن صراع يصل إلي حد الصدام بين وزارة الخارجية الأمريكية والكونجرس في شأن المساعدات الخارجية خاصة في مرحلة الربيع الديمقراطي العربي التي أربكت الحسابات المستقرة في أجنحة الحكومة الأمريكية والسلطة التشريعية الممثلة في الكونجرس بمجلسيه واجهزة الإستخبارات المتنوعة والكثيرة. وفي موازنة العام المالي المقبل برزت توجهات وبوادر صدامات بين المؤسستين التنفيدية والتشريعية فيما يخص المساعات المقدمة لبلد حيوي للمصالح الأمريكية مثل مصر وتتولي الخارجية الأمريكية إدارة ما يخصها في الصراع الحالي بشأن مساعدات التنمية والديمقراطية بإعتبارها من أدوات تقوية النفوذ الأمريكي علي الساحة الداخلية المصرية بعد ثورة25 يناير. حقيقة الصراع أن هناك رؤية تحاول وزارة الخارجية الأمريكية تمريرها مستعينة بأطراف مساندة في الكونجرس من فريق دعم التحول الديمقراطي في العالم وهو ينتمي في معظمه إلي تيار الديمقراطيين التقديميين- علي يسار الحزب الديمقراطي الموجود في مقاعد الأقلية بمجلس النواب- وبعض كبار العاملين في وزارة الخارجية ووكالة المعونة الأمريكية وهو التيار الذي يري أن الدعم المالي المباشر لبرامج دعم الديمقراطية سوف يعود بالنفع علي الصلات الأمريكية بالقوي السياسية الجديدة والواعدة علي الساحة المصرية وهو يبذل مجهودا في سبيل أقناع الكونجرس بتلك الرؤية في مقابل تيار أخر أكثر واقعية في التعامل مع الواقع المصري الجديد ويري أن تقديم الدعم المباشر لمنظمات المجتمع المدني عبر السفارة الأمريكية في القاهرة يمكن ان يتسبب في مشكلات ليست بالهينة في مسار العلاقات المصرية-الأمريكية. في الكونجرس هناك فرق شتي ومتباينة في التعامل مع قضية المساعدات التي تنقسم إلي عسكرية تمثل الجزء الأكبر والأهم في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين)301 مليار دولار( ومساعدات التنمية الإقتصادية)250 مليون دولار( حيث يوجد فريق من الجمهوريين والديمقراطيين يري أن المساعدات العسكرية يجب ألا تخضع لمساومات سياسية من منطلق أن هناك بالفعل استفادة قصوي في أكثر من15 ولاية أمريكية من مخصصات المساعدات العسكرية تتمثل في تشغيل خطوط انتاج في مصانع وقطع الغيار العسكرية وغيرها من اوجه التصنيع الحربي. وبالقطع غالبية نواب الفريق السابق يربط تلك المساعدات بالسياق الأكبر للسلام بين مصر وإسرائيل ودور المساعدات السابقة في تحقيق التوزان الإقليمي ويعي أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن لا تدار من خلال علاقة تبعية- مثلما يتخيل البعض- ولكن من خلال تبادل المنافع بغض النظر عن العلاقة مع نظام الحكم السابق في مصر والتي أوحت أن هناك تبعية للولايات المتحدة وهو التصور الذي مازال يحكم تفكير مسئولين عديدين في وزارة الخارجية الأمريكية رغم مرور أكثر من ستة شهور علي اندلاع الثورة الشعبية التي غيرت موازين كثيرة. كما يوجد فريق أخر مؤلف من النواب الجدد ومعظمهم من تيار حزب الشاي اليميني المنضوي تحت راية الحزب الجمهوري في مجلس النواب ويعد نوابه93 نائبا الأقل دراية بتعقيدات العلاقات المصرية- الأمريكية ويرون أن الوسيلة الناجعة هي قطع المساعدات المالية وتوفيرها لمصلحة المواطنين الأمريكيين إلا أن التواصل المصري مع أعضاء' تكتل الشاي' في الكونجرس في الأسابيع الأخيرة أثبت أن إتاحة الفرصة لشرح الموقف وتوضيح ان المساعدات في الجوانب العسكرية والإقتصادية ليست مجرد أموال تدفع ولكنها دعائم مهمة للمصلحة الوطنية الأمريكية وعنصرا مهما في العلاقة مع دول محورية ورئيسية في الشرق الأوسط حسب مصدر أمريكي فإن' تيار الواقعية' في قضية دعم موقف الخارجية الأمريكية في تمويل منظمات المجتمع المدني في دول مثل مصر يظهر واضحا في الموقف المحايد للسناتور الجمهوري جون ماكين في مجلس الشيوخ- المتحكم في المساعدات الخارجية- الذي يفضل رغم رئاسته للمعهد الجمهوري الدولي أن يتعامل مع المصالح المباشرة للولايات المتحدة وليس مواقف أيديولوجية لفريق علي حساب فريق أخر. ويقف فريق أخر مع المؤسسات الأمريكية العاملة في مجال دعم الديمقراطية في العالم مثل بيت الحرية الأمريكي' فيردم هاوس' والمعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني وهي الأطراف الثلاثة الأكثر إلحاحا في العمل في ساحة المجتمع المدني في دول الربيع العربي وفي مقدمتها مصر ومعظم اموال المساعدات تأتي عن طريق المؤسسات الثلاثة وهي تشكل دعامة ضغط كبيرة داخل وزارة الخارجية وتقوم الخارجية بالتحدث بالنيابة عنها أمام الكونجرس. ولكن السؤال: ماهي نوعية تلك المساعدات وهل هي المساعدات التي تقدم بشكل معلن وعبر قنوات واضحة أم قنوات غير رسمية لمنظمات غير مرخص لها والإجابة تحمل اوجه عديدة منها رغبة الخارحية في لعب دور أكبر في التغيير الديمقراطي رغم المؤشرات العديدة عن تفرد الثورة الشعبية التي قامت في مصر وتونس وصعوبة تكرار سيناريوهات الماضي في مناطق عديدة من العالم من حيث العمل علي تثبيت نخب موالية في السلطة وبالتالي لم تعد عملية تسييس المنح المقدمة للمجتمع المدني يتم التعامل معها بخفة في الدول المتحولة للديمقراطية والتي استوعبت دروس الماضي وهو ما عجل أن يأخذ الكونجرس موقفا' حذرا' لسببين: الأول له علاقة بجدوي الإنفاق والرغبة في تقليص الموازنة الكلية للولايات المتحدة وهو ما طال المساعدات الخارجية البالغة51 مليار دولار دولار والثاني سريان مخاوف من إمكانية وقوع الجميع في موقف المحاسبة في حال ثبوت استفادة جماعات سياسية بعينها- مثل الإخوان والجماعة الإسلامية- والتي تناصب السياسة الأمريكية العداء أو موقفها مازال معاديا لإسرائيل من أموال مساعدات الديمقراطية. وفي ظل صراع الأجنحة السابق مرر مجلس النواب تعديلات مهمة لوضع قيود علي طرق إنفاق أموال المساعدات خاصة فيما يتعلق بالإنفاق علي برامج الديمقراطية وهي خسارة ممكنة لمعسكر لديه رؤية محددة بشأن إدارة العلاقة مع مصر ودول عربية اخري وسوف تكشف الأسابيع القادمة عن نتائج المناورات الدائرة بين أطراف كثيرة في قضية باتت شائكة للغاية علي المستوي الداخلي في بلدنا!