قرأت رسالة ملاك يمشي علي الأرض التي روي فيها الأستاذ أحمد البري قصة استشهاد شقيقه المهندس إيهاب الذي صدمته سيارة تابعة لسفارة إسبانيا في طريق المطار.. والحقيقة انها قلبت علي المواجع والآلام المكبوتة داخلي منذ ثلاث سنوات, فأنا شاب بسيط أعمل سائقا وأتقي الله في عملي وقيادتي سيارتي وعمري35 عاما, وكانت لدي أسرة سعيدة لكن الفرحة لم تدم طويلا حيث ذهبت أسرتي ضحية حادث مروري في غمضة عين, ومازال الجاني حرا طليقا لا يعرف عنه أحد شيئا! أما تفاصيل المأساة فهي مجموعة مصائب, فلقد كانت زوجتي وابنتي الصغيرة البالغة من العمر6 سنوات تعبران طريقا ليس سريعا أسفل كوبري أبيس بشارع المدينةالمنورة بالاسكندرية قرب منزلنا قبل أن تصدمهما سيارة طائشة بكل قوة, وعندما حاول المارة إيقافه كاد يدهسهم وفر هاربا. وهنا سمعت صرخات الناس في الشارع وخرجت مع من خرجوا مهرولين نحو مصدر الصرخات لأجد ابنتي وزوجتي ملقتين علي جانب الطريق وطال الانتظار, ثم جاءت سيارة الإسعاف بعد رحيل ابنتي عن الحياة, وكانت زوجتي تصارع الموت فحملتها إلي المستشفي, بينما نقل جثمان ابنتي إلي مشرحة كوم الدكة, وذهبت مع عدد من الشهود إلي قسم الشرطة, وقدمنا للضباط بيانات السيارة ولونها ورقم لوحتها المعدنية, وكانت سيارة فاخرة, ثم ذهبت في اليوم التالي إلي النيابة وحصلت علي تصريح بدفن الجثة وأمر وكيل النيابة بضبط وإحضار صاحب السيارة, وبعد أن انتهت مراسم الدفن ذهبت إلي المستشفي لأجد زوجتي مبتورة الساقين وفاقدة الوعي وفي حالة متأخرة للغاية.. وقرر الأطباء إجراء جراحة لها ولكن بعد عشرة أيام لعدم وجود مكان خال لها وسط جدول العمليات المزدحم, ولم يمض يومان حتي لحقت بابنتها وكرست كل وقتي لملاحقة الجاني, فقوبلت بمماطلة وتزوير للحقائق, ولم تصل تحريات المباحث عن مرتكب الجريمة إلا بعد شهرين.. وأيقنت أنه شخص مهم, وأن الجميع يسخرون كل جهدهم لإخراجه من القضية بلا عقاب, وجاءتني مكالمات التهديد والوعيد عبر هاتفي بشكل يومي.. وعندما تحددت جلسة المحاكمة فوجئت بأن السيارة موجودة أسفل منزلي قبل الموعد بيوم واحد, وكان الميكانيكي الذي يسكن بجواري يقوم بإصلاحها بحسن نية ولا يعلم أنها السيارة التي حصدت أسرتي, فتوجهت إليه فوجدت لديه شخص لا أعرفه ومعه بعض الحراس, وأبلغني أنه صاحب السيارة التي اشتراها من ابنة الوزير الفلاني بلهجة صارمة, وفي الوقت نفسه كان أحد جيراني يتابع الموقف فاتصل بالشرطة وجاءت قوة منها وبالفعل قبضوا عليه واقتادوه إلي القسم ثم أفرجوا عنه في اليوم التالي: أتدري لماذا؟.. لأنه تبين أن السيارة بيعت إلي ستة أشخاص منذ يوم وقوع الحادث قبل ثلاثة أشهر. وأما المفاجأة الكبري فكانت الإفراج عن السيارة نفسها, وتأجلت القضية جلستين متتاليتين, وفي المرة الثالثة انهرت تماما أمام القاضي وظهرت الحقيقة وهي أن السيارة ملك ابنة رجل يعمل في مركز حساس بالدولة, وأنها باعتها بعد الحادث لضابط شرطة باعها لمشتر آخر بعد يوم واحد.. وهنا أمر القاضي بضبط وإحضار كل من اشتري السيارة ولم يحضر أحد حتي الآن. لقد ضاعت أسرتي بسبب فتاة طائشة وكان المفروض إثبات الجريمة في الحال, فليس لي دخل بمن باع ومن اشتري.. المهم أن الجاني موجود, والسيارة أداة الجريمة موجودة.. لكننا تعودنا علي أن هناك من هم فوق القانون.. هل تتصور أنه مرت حتي الآن ثلاث سنوات والقضية ضائعة.. فهل الإنسان لدينا رخيص إلي هذا الحد؟.. وأين هو العدل الذي يتحدثون عنه؟ { ما نحتاج إليه يا سيدي الآن هو تطهير الضمائر, وأن يدرك كل إنسان أنه قد يتعرض في أي وقت للمصائب فلا يجد من يقف إلي جانبه, ولعل ما يحدث في مصر الآن أكبر دليل علي ذلك بعد أن رحل رموز الفساد, لكن الآفة التي مازالت تنخر في أجسامنا حتي اليوم موجودة ومتغلغلة في كل المواقع, ولن يستطيع أحد القضاء عليها بين يوم وليلة.. فنحن الآن نسمع كلاما كثيرا, ولا نري واقعا ملموسا, والتغيير الذي أتحدث عنه ليس تغيير أشخاص فقط بل تغيير منظومة القوانين نفسها, فمن سن القوانين في العهد السابق هم مجموعة من الترزية فصلوا مواد فضفاضة لكي تتيح لهم عدم المحاكمة إذا هم ارتكبوا أي جرائم.. حتي ولو كانت من هذا النوع الذي يطلقون عليه قتل خطأ وجريمته غرامة قدرها خمسون جنيها, أو وعقوبته حبس مع إيقاف التنفيذ! أي قانون هذا الذي لا يقيم وزنا لحياة الإنسان ويدفع المراهقين والبلطجية إلي مزيد من الاستهتار والعبث بأرواح المواطنين.. لكن ذوي السلطان والجاه لا يشعرون بما نشعر به نحن عامة الناس.. وقد تولد لدي إحساس بأن ثورة25 يناير سوف تضع حدا لهذه المآسي, وتوقف العمل بهذه القوانين البالية.. فلم يحدث شيء من ذلك حتي الآن.. ومازال المئات يموتون يوميا في شوارع المحروسة, ولا أحد يلقي بالا بهم.. فهل الثورة تعني الانفلات والسلوك الأهوج.. هل الثورة أن يفعل كل واحد ما يحلو له وهو واثق أن أحدا لن يسأله لما فعلت هذا؟. إنني من بريد الأهرام أتوجه باسم الملايين إلي الحكومة بألا تترك الأمور سداحا في الشارع.. فالفوضي العارمة التي تجتاح البلاد سوف تؤدي إلي مزيد من الخسائر وسوف تضيع معها الحقوق.. وسوف ننحدر من سييء إلي أسوأ.. فأولي خطوات الإصلاح هي ضبط الشارع وإعطاء الحقوق لأصحابها في ظل قانون عادل يتعامل مع أبناء الوطن بمعاملة واحدة, فلا فرق بين مواطن وآخر.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.