لعله من أكبر مزايا العمل الدبلوماسي هو الانفتاح والتعامل مع العالم الخارجي والاستفادة من تجارب الدول والشعوب الأخري, وليس الانغلاق علي الذات ولقد أتاحت لي دراساتي للماجستير والدكتوراه التعرف علي التجربة الصينية, وزاد تعمق هذه المعرفة بالعمل في الصين سفيرا, والتردد عليها منذ1998 للمشاركة في العديد من المؤتمرات الدولية التي تعقدها ويشارك فيها باحثون من جميع دول العالم. واليوم في شهر يوليو شهر الثورات يمر تسعون عاما علي إنشاء الحزب الشيوعي الصيني الذي انطلق في يوليو1921 وظل يناضل ضد الأعداء الخارجيين والداخليين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وأيديولوجيا, فالحياة صراع مستمر ضد أعداء كثيرين ومن ثم لابد أن يتسلح الثوري والمناضل الحقيقي بالأدوات الفعالة لإدارة هذا الصراع بما يحقق مصالحه. وتظهر دراسة التجربة الصينية وجود خمس ركائز للنضال الثوري هي الزعيم أو القيادة, والايديولوجية أو الرؤية بالمصطلحات الحديثة, والحزب بكوادره والقوات المسلحة والثقافة والاقتصاد, اما الشعارات الثورية فقط فليست ذات جدوي وهي تمثل خداعا للنفس وخدمة للأعداء. ونتساءل ماهي الدروس المستفادة من التجربة الصينية بالنسبة لثورة رائدة في المنطقة العربية وربما في العالم إذا أمكن استمرار نجاحها والمحافظة علي طابعها السلمي وعدم تحولها الي ثورة تأكل أبناءها كما حدث في ثورات دول أخري أو الي ثورة تعيش الماضي ولا تنظر للمستقبل وتنتقم من خصومها وربما أيضا من أبنائها وبذلك تصبح ثورة تعيش الأوهام والأحلام والشعارات بعيدا عن الواقع الحقيقي في العمل والإنتاج, وتتحول الي ثورة الفرص الضائعة. إن ثورة25 يناير المصرية لديها كل مقومات النجاح ولكنها تواجه في نفس الوقت تحديات عاتية ومخاطرها جسيمة ومن هنا فائدة الدروس المستفادة من التجربة الصينية والتي نذكر منها مايلي: 1 وضوح الرؤية فبدون هذا الوضوح تصبح الثورة فريسة لتغيير رؤيتها باستمرار وعدم استقرارها, ومن ثم ضياع البوصلة التي تحركها. 2 وحدة القيادة فبدون هذه الوحدة يتفرق دم الثورة بين القبائل والفرق والائتلافات المتنازعة ومن ثم يصعب اتخاذ أي قرار أو حدوث تقدم وتحول كل من لديه فيسبوك أو تويتر الي زعيم يدين هذا ويؤيد ذلك, ولذلك نتساءل أين المنهج العلمي في اختيار الشخصيات والقيادات والوزراء والمسئولين في التشكيل الوزاري الأخير؟ أخشي أن أقول انه صورة مكررة لتشكيلات وزارة طاولة مقهي باريس وشلة الانس وزملاء الدفعة في الماضي, وجر ذلك علي مصر نوائب الزمن وكوارث لا تنتهي. 3 عدم التشبث بالمواقف والآراء الشخصية ولعل ماذكره الإمام الشافعي خير مرشد لنا بقوله رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب, ولعل من أهم صفات الثوري الحقيقي عدم افتراض تخوين الناس وعدم استبعاد القوي الأخري مهما كان الخلاف معها طالما لم يثبت ضدها انحراف أو خطأ حقيقي يؤكده القضاء العادل واحترام اختلاف وجهات النظر والآراء المتعددة. المزيد من مقالات د. محمد نعمان جلال