مردوخ يترنح. وقبل أن يسقط على الأرض ، لمعت السكاكين الطويلة المسنونة، منذ زمن، فرحة تداعب هواء بريطانيا المعبأ برائحة فساد الصحافة والصحفيين والسياسة والسياسيين والشرطة وضابطها، استعدادا لأن تهوى على جسد امبراطوريته. ليست فضيحة التنصت على هواتف الناس، خاصة الشخصيات الشهيرة، سوى الصفحة الجنائية فى ملف شركة نيوز انترناشيونال، فرع مؤسسة نيوز كوربريشن الإعلامية العملاقة فى بريطانيا وأوروبا، المتخم بفضائح أخطرها إفساد السياسية فى أحدى أعرق الديموقراطيات فى العالم. فما انكشف أعظم بكثير من حجم الأساطير التى نسجها منتقدو مردوخ حول امبراطورية الإعلام التى تقيل حكومات وتنصب أخر. فعندما جأر حزب العمال بالشكوى من تحيز وسائل هذه الإمبراطورية فى بريطانيا، المتمثلة فى صحف صنداى تايمز والصن ونيوز أوف ذى وورلد وشبكة سكاى نيوز الشهيرة، ضده فى أثناء الانتخابات العامة ( فى مايو 2010)، لم يصدقه الكثيرون. الآن لم تعد هناك حاجة لانتظار نتائج تحقيقات لجنة ليفسون القضائية أو لجنة الإعلام والثقافة والرياضة فى البرلمان ليكتشف البريطانيون أن أذرع إمبراطورية مردوخ (التى يملك الأميرالسعودى الوليد بن طلال 7 فى المائة من أسهمها ما يجعله ثانى أكبر مستثمر فيها ) التفت حول شخصيات لم يكن يتوقع أن تكون على علاقة بآل مردوخ وكبار مسؤولى شركته فى بريطانيا. فتبين، مثلا، أن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون اشترى تأييد وسائل إعلام مردوخ مقابل تعيين أندى كولسن، رئيس تحرير صحيفة نيوز أوف ذى وورلد التى أغلقها مردوخ بعد 168 عاما من الصدور، مديرا للاتصالات فى مكتب رئيس الوزراء. ولما تكشف المزيد، تبين أن نفوذ الامبراطورية طال الجميع تقريبا. وهذا ما دفع نيك كليج، نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار الشريك فى الحكومة، إلى إعادة حملة لتطهير العلاقات الخفية بين وسائل الإعلام والسياسيين والشرطة فى بريطانيا. ورأى كليج إن لجنة التحقيق القضائية هى التى يجب أن تؤدى هذه المهمة. ومضى لحد مطالبة لجنة تنظيم الاتصالات بالنظر حتى فى أهلية امبراطورية مردوخ فى أن تكون مجرد مساهم فى شبكة سكاى الإخبارية ذات التأثير الكبير فى الرأى العام البريطاني. فمؤسسة نيوز كوربوريشن تملك 39 فى المائة من أسهم الشبكة ، التى كان مردوخ يسعى لشرائها بالكامل (مقابل 12 مليار جنيه استرلينى ) وفشل بسبب فضيحة التنصت. ورغم الصلات العنكبوتية للامبراطورية المترنحة مع السياسيين والإعلاميين، فإنه لم يدافع عنها سوى بعض العاملين السابقين والحاليين فيها. ولم تجد المطالبات المتزايدة بتفكيك الامبراطورية وانهاء عصرها حتى مجرد تحفظات. بل إن عائلة مردوخ نفسه لم تبد أى مقاومة. فزعيم العمال إيد ميليباند يقود حملة، تتزايد قوة، لوقف نفوذ مردوخ السلبي، من وجهة نظره، على المجتمع، خاصة السياسى والإعلامى فى بريطانيا. والمطلب الرئيسى للعمال الآن هو سن قوانين جديدة تنظم امتلاك وسائل الإعلام. هذه الفضيحة تضع علامات استفهام كبيرة على الحال الذى وصل إليه المناخ السياسى فى بريطانيا. فقد تفجرت بعد أقل من عامين من فضيحة فساد نواب البرلمان الذين سرقوا أموال الشعب. وبسببها خرج فقد ثلث النواب على الأقل مقاعدهم فى البرلمان بعد أن شغلوها لسنوات طويلة. حينها وعد سياسيو بريطانيا جميعا بتطهير نظامهم السياسى عن طريق الانتخابات. وبالفعل تغير شكل البرلمان وخرج منه كل الفاسدين فى فضيحة النفقات. غير أنه فضيحة امبراطورية مردوخ، تكشف للبريطانيين بأنه مالم يطهر الإعلام ويعاد النظر فى نفوذه الخفي، فإن التطهير السياسى سيظل بعيد المنال.