مؤتمرات القمة في مضمونها هي الخطوة النهائية في سعي الشعوب إلي تحقيق أهدافها المشتركة, ولذا تؤخذ قراراتها كعلامات مهمة محددة لطريق المستقبل, والقادة أعضاء في مؤتمرات القمة يقودون شعوبهم بطرق مختلفة بين ديمقراطية تضع الحاكم في موقعه بإرادة شعبية دستورية, أو بطريقة فردية تفرض نفسها بالوراثة الملكية أو بالقوة العسكرية أو القبلية. وفي كل الحالات فإن اجتماع القمة العربية يعبر عن إرادة الأمة التي كانت من أولي الأمم في عقد اجتماعات القمة, والتي بدأت في أنشاص عام1946 وأثمرت قيام الجامعة العربية. وخلال الفترة الأخيرة كان للعرب دور واضح في الدعوة لمثل هذه المؤتمرات وقيادتها لفترة زمنية يحددها ميثاق كل مؤتمر, فمصر ترأس لمدة ثلاثة أعوام مؤتمر عدم الانحياز الذي عقد فيها للمرة الثانية منذ أنشئت الحركة في مؤتمر بلجراد عام1961, وذلك في مدينة شرم الشيخ خلال يوليو2009, وليبيا سلمت رئاسة مؤتمر القمة الإفريقية الذي عقد في أديس أبابا يوم21 يناير2010 إلي مالاوي بعد أن كان لها دور رئيسي في إقامة الاتحاد الإفريقي في سرت يوم9 سبتمبر1999 وهي ترأس القمة العربية القادمة في سرت أيضا يوم23 مارس المقبل. ومؤتمرات القمة يجب أن تكون أساسا ساحة للسلام والمصالحة بين الدول واتخاذ القرارات الممكنة التنفيذ من أجل صالح الدول والشعوب, ولكن مراجعة قرارات القمم المختلفة تظهر أن كثيرا منها لم يوضع موضع التنفيذ لأسباب مختلفة, منها نقص الميزانية وعجز الدول عن توفيرها وتراكم الديون الخارجية وإحجام الدول الرأسمالية الغنية عن تقديم المساعدات المطلوبة منها,وهو أمر يجب أن يكون نقطة أولي في جدول أعمال مؤتمرات القمة للتأكد من تنفيذ القرارات. والمؤتمر الذي نركز الآن عليه هو مؤتمر القمة العربية القادم, وهو المؤتمر الرابع والثلاثون في اجتماعات القمة عامة, والمؤتمر العشرون في اجتماعات الدورات العادية بعد مؤتمر الرياض الذي عقد عام2007, وهو ينعقد في مدينة سرت بليبيا وسط أجواء تكشف أن بعض الخلافات مازالت مؤثرة في علاقات بعض الدول ولكنها تبشر أيضا في الوقت نفسه بإمكانية التغلب علي كل مايعيق تحقيق تضامن عربي أصيل علي الصعيد الحكومي, بعد أن تحقق ذلك علي الصعيد الشعبي في اجتماع لجان التضامن العربية الذي عقد في طرابلس يومي14 و15 ديسمبر بدعوة من منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية ولجنة التضامن والسلام الليبية, و اتفق الحاضرون فيه الذين مثلوا20 لجنة تضامن عربي علي موقف موحد من القضايا الرئيسية التي تهم الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومايتعرض له شعب فلسطين من عدوان وتدمير واحتلال. ومن مؤتمرات القمة العربية التي تميزت باتخاذ قرارات مؤثرة في علاقات الدول المؤتمر الرابع الذي عقد في الخرطوم بعد العدوان الإسرائيلي علي مصر في5 يونيو1967, فقد تمت فيه مصالحة تاريخية بين مصر والسودان والسعودية وكانت العلاقات بينهما متوترة عقب الثورة اليمنية ومؤتمر القمة العربي غير العادي الذي عقد في الدارالبيضاء عام1985 عادت فيه مصر إلي أحضان الأمة العربية, و انتقلت الجامعة العربية إلي القاهرة المقر الذي يحدده ميثاقها بعد أن كانت قد انتقلت إلي تونس تنفيذا لقرارات القمة العربية التي عقدت في بغداد1978 وقطعت فيها معظم العواصم العربية علاقاتها الدبلوماسية مع القاهرة, عدا السودان وجيبوتي وسلطنة عمان احتجاجا علي عقد الرئيس أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية. ومن المثير أن الشعوب العربية تؤمن بأن مصالحها مشتركة وأن مستقبلها مرتبط, ولكن بعض الأنظمة تأخذ من المواقف مايتعارض أحيانا مع هذه الحقيقة الثابتة. ولكن ماوصل إليه الوطن العربي من مشاكل غير مسبوقة يأتي في مقدمتها الاحتلال الأمريكي للعراق, والدعم المطلق من الدول الاستعمارية للحكومات الإسرائيلية لتثبيت الاستعمار الاستيطاني وإهدار الحقوق المشروعة لشعب فلسطين, والمشاكل التي تتفجر في السودان والصومال واليمن تدفع إلي ضرورة الوصول إلي حلول قومية مشتركة في قمة سرت القادمة وهو أمر تتطلع إليه الأمة العربية بثقة وأمل ونجد أنه ضرورة حتمية لتوحيد الصفوف ومواجهة المستقبل.