منذ الاسبوع الاول لنجاح ثورة 25 يناير المباركة, نشرت مقالين مطولين في البحرين حول الثورة المضادة, مستشهدا بالتاريخ السياسي في مناطق عدة من العالم. وعبرت عن قلقي الشديد من ذلك لاصدقاء في أرض الكنانة, ولكنهم أعربوا عن ثقتهم فيما حدث وابرزوا أن مخاوفي مبالغ فيها. وها هي الايام تمر وكل يوم نجد الثورة المضادة تكسب أرضا. والعمل لتحقيق الثورة المضادة يأخذ مظاهر عدة, أطلق عليها الثوريون الحقيقيون مثل' فلاديمير لينين' و' ماوتسي تونج' وغيرهم مصطلح المراهقة الفكرية اليسارية, وأحيانا اليمينية. وهذه المراهقة تقوم علي ثلاثة مقومات: الأول: المبالغة في المطالب الثورية بما يعني حرق المراحل وعدم الواقعية الثورية. الثاني: توسيع دائرة الاعتصامات لتشمل شل مؤسسات الدولة وتفكيك مؤسساتها وضرب كوادرها, وبهذا يتم الهدم الكامل دون أن يحدث البناء. وهذا ما قام به الحاكم العسكري الأمريكي' بريمر' في العراق. الثالث: الدعوة للثورة المستمرة أو الثورة الدائمة, وهذا ما دعا إليه' تروتسكي' في الثورة البلشفية وعارضه' لينين' ثم' ستالين' وأصرا علي بناء الدولة الاشتراكية في دولة واحدة, أي روسيا ثم الانطلاق إلي غيرها. اليوم عندما ينقسم ثوار التحرير ما بين دعاة الاعتصام ودعاة إغلاق مجمع التحرير, وإغلاق قناة السويس, ومحاصرة مؤسسات الدولة, هل يمكن القول بأن هؤلاء بحسن نية وصفاء سريرة يعملون ضد أهداف الثورة ومبادئها دون أن يدركوا الموقف. وعندما يدعو البعض لإلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية, وفتح الحدود مع غزة علي مصراعيها وإعادة العلاقات مع إيران دون ضوابط, هل يدرك هؤلاء مخاطر مثل هذه الدعوات علي أمن مصر وسلامة أراضيها؟ أم هل يعتقد البعض بأن التظاهر والهتافات سوف تردع إسرائيل عن إعادة احتلال سيناء أو تردع إيران عن دورها التخريبي ونشر الفكر الشيعي. إن مصر في حاجة إلي البناء ليسير جنبا إلي جنب مع هدم القديم وهو ضرورة, ولكن الأهم والذي ينبغي أن تكون له الأولوية هو الحفاظ علي مؤسسات الدولة وأمن المواطن وأمن الوطن. لقد نشر مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس الوزراء المصري نتائج استطلاع رأي عبر من خلاله 47% بأنهم لا يشعرون بالأمن, و50% يرون أن الشوارع أصبحت غير آمنة. لقد وقع الزعيم الصيني الثوري' ماوتسي تونج' عندما وصل للسلطة في فخ المراهقة الثورية رغم انه حذر مرارا من الوقوع فيها, وأطلق ثورة ثقافية امتدت عشر سنوات, فجمدت الدولة وأدي ذلك لتراجع أدائها الاقتصادي والأمني, وإذلال المواطنين المفترض أن تخدمهم الثورة. في حين أطلق الزعيم الصيني' دنج سياو بنج' ثورة صناعية تكنولوجية نقلت الصين من وضع الدول النامية المتخلفة إلي مصاف الدول الأكثر تقدما. إن أنصار الثورة المضادة في مصر موجودون في كل مكان في الدولة وفي مؤسساتها وفي دوائر الإدارة والأمن وغيرها, ولكن هؤلاء يمكن التغلب عليهم, أما إذا وجدوا بين الثوريين أنفسهم من خلال الانقسام وعدم وضوح الرؤية والتركيز علي الهدم أكثر من الاهتمام بالبناء, فإن هذا هو الطريق الأكيد لتحقيق أهداف الأعداء. إن الثوريين يجب ان يتحدوا تحت قيادة موحدة تضبط إيقاع الحركة والعمل وليس اكثر من مائة وخمسين ائتلافا فضلا عن عشرات الأحزاب والشخصيات العامة. إن هذا التنوع يؤدي للتشاحن وفقدان الرؤية الواضحة وهو كفيل بانهيار الدولة ووقوعها فريسة في يد أعدائها. وفي الوقت نفسه فان المجلس الاعلي للقوات المسلحة عليه مسئولية مهمة بصفته اضطلع بدور رئيسي في حماية الثورة وإنجاحها, أي عليه حمايتها فهو القوة الرئيسية بل الوحيدة الموحدة وذات المصداقية وهو لا يبحث عن دور فدوره معترف به من كل فئات الشعب, إن عليه ان يضمن حماية امن الوطن ومؤسساته ومنشآته ويفرض الانضباط في الشارع المصري هذا من ناحية ويسارع في تقديم قيادات وأتباع النظام السابق للمحاكمة العادلة فهم ارتكبوا جرائم سياسية قبل ان تكون جرائمهم مجرد تبديد المال العام, كذلك عليه فرض القانون بحزم وعدم السماح بالتسيب السياسي أو التسيب الأمني ومعاقبة كل من يخرج علي القانون. المزيد من مقالات د. محمد نعمان جلال