إن أشرف المواطن وأفضلها لدي الله عزوجل وإن أقدس الأماكن وأجلها عند عباده تلكم التي يجد الانسان فيها ذاته ويتعرف فيها علي ربه ويقف فيها علي واجبه ووظيفته.. يجد الإنسان فيها ربه بكل ماله من صفات الجمال والجلال والكمال والعظمة والسمو بكل مايصدر عنه تعالي من روعة المنهج والنظام في الخلق والوجود والحق والوحي. تلكم التي بهرت كل العلماء والمفكرين والباحثين والحكماء وليست هذه المواطن سوي بيوت الله تعالي تلكم التي تمثل مراكز الإشعاع في أرض الله, ومصادر العطاء النفسي والروحي ومعالم انضباط الذات وصدق السلوك والتزام المنهج في كل شئون الحياة ومظاهرها ولقد كان في طليعة هذه المعاهد منذ فجر الحياة المسجد الأقصي والمسجد الأقصي هو ثاني مسجد علي الأرض بناه يعقوب ثم جدده داود وأتمه سليمان عليهم السلام. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع علي الأرض فقال: المسجد الحرام. قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصي. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاما ثم الأرض لك مسجدا فحيثما أدركتك الصلاة فصل فيه فإن الفضل فيه ووجه هذا الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديما ثم خربا ثم بنيا وقال الزركشي في الزمن الذي بين بناء المسجدين أن سليمان عليه السلام إنما كان له من المسجد تجديده لا تأسيسه والذي آسسه هو يعقوب بن إسحاق صلي الله عليهما بعد بناء الكعبة بهذا القدر وسمي الأقصي لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام أولأنه لم يكن وراءه مسجد, وقد أحاطت عناية الله المسجد الأقصي بالبركة: الذي باركنا حوله والبركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء والمبارك مافيه ذلك الخير, والمراد بالبركة: الدنيوية, وقيل: أراد البركة الدينية فإنه مقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومتعبدهم ومهبط الوحي والملائكة. وحينما نزلت آية الإسراء.. لم يكن المسجد الأقصي ولا القدس في أيدي المسلمين وكذلك حينما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمون يتجهون في صلاتهم إلي القدس لم تكن القدس في أيدي المسلمين فكان هذا باعثا وحافزا يحفز المسلمين إلي أن ينتهزوا الفرصة أول فرصة ليفتحوا بلدا حل فيه ركاب النبي صلي الله عليه وسلم وفي الصحيحين لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد. مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصيوفي سنن أبي داود من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي غفر له ماتقدم من ذنبه وقد أحرم جماعة من السلف منه كابن عمر ومعاذ وكعب الأحبار وفي سنن البيهقي: من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر أووصيت له الجنة. ويستحب لمن لم يقدر علي زيارته أن يهدي له زيتا: قال ابن ماجد عن ميمونة قالت: قلت يارسول الله أفتنا في بيت المقدس قال أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أصل إليه قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه