قبل أكثر من ست سنوات، وتحديدا فى ديسمبر من عام 2005، شهدت مدينة مكةالمكرمة انعقاد القمة الإسلامية الاستثنائية التى أقرت برنامج عمل يمتد على مدى عقد من الزمان، ويهدف إلى تطوير عمل منظمة التعاون الإسلامى التى عرفت بمنظمة المؤتمر الإسلامى فى ذلك الوقت. برنامج شكله خريطة طريق لجميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. فى ذلك المفترق الزمني، كان ثمة إدارك كبير لدينا بضرورة إصلاح وتفعيل دور المنظمة فى العالم الإسلامي، ومضينا فى مسيرة تجاوزت النصفية الأولى من عمر البرنامج الطموح، والذى يعد بالكثير، متسلحين بإرادة، وضعنا لها أساسا قويا ومدروسا، منذ اللحظة الأولي. وإذا ما سئلنا إن كنا قد حققنا جميع الأهداف التى يدعو إليها برنامج العمل العشري، فإننا نجزم بأن أنبل تلك الإنجازات وأكثرها أهمية ينصب فى خلق الثقة، لدى الشعوب الإسلامية، وحكومات الدول الأعضاء فى المنظمة وبجدوى الدور الذى تقوم به، وهى ثقة تجلت بالفعل فى حماسة بدأت تتجسد واضحة لدى الدول الأعضاء التى أبدت ولا تزال اهتماما غير مسبوق لتبنى مشاريع المنظمة ودعمها، وهو تفاعل يبنيء بعطاء واهتمام كبيرين بما يمكن أن تقدمه المنظمة فى مشاريع واعدة، رأى كثير منها النور، وينتظر جزء آخر إرادة سياسية أوسع لإنقاذه وإتمامه. وبعد أن أقرت الدول الأعضاء فى الدورة الثامنة والثلاثين لاجتماع مجلس وزراء الخارجية بالدول الأعضاء فى أستانة، 28-30 يونيو الماضي، الاسم والشعار الجديدين لمنظمة، فإننا نرى فى هذا القرار الذى وصفه البعض بالإجرائي، نقطة تحول تاريخية، تعنون لما نقوم به على أرض الميدان، فلم يكن التغيير استباقا للفعل، بل نتيجة منطقية لما قامت به المنظمة بالفعل، وتطورا طبيعيا جاء بناء على ما بدأناه فى الأصل، وهو ضرورة تعبر بها المنظمة عن مفهوم التعاون الشامل، وروح التضامن الواقعى والعملي، بعيدا عن شعارات أوسع بكثير من أن يتم تحقيقها وإتمامها فى ليلة وضحاها، لقد شكلت منظمة المؤتمر الإسلامى (سابقا) منطلقا تاريخيا كثيرا ما حافظ على روح التآخى والتعاضد بين دول العالم الإسلامي، بيد أن ما أردناه منذ عام 2005 بمباركة الدول الأعضاء لم يكن مجرد مشاعر جياشة، بل واقع يتاح تطبيقة، وخطط تتبناها الدول، وتعمل على تنفيذها، ونأمل أن اسمنا الجديد، منظمة التعاون الإسلامي، قد أوجز التعبير وأبلغه لتصل رسالتنا طبيعية وسهلة لدى الأفراد والنخب والمسئولين فى آن واحد، بأننا عازمون بفلسفة جديدة على إحداث التغيير المنشود. ومنظمة التعاون الإسلامى باسمها الجديد، إنما هى خطوة فى طريق بدأ أكثر من أربعة عقود، وهى اليوم منارة يستدل بها، استطاعت أن تتجدد، وتولد من جديد فى حلة عصرية، لتواكب أنظمة تعاون دولية أثبتت نجاحا وفاعلية فى أكثر من مسابقة، سلاحنا فى هذا ميثاق المنظمة الجديد الذى انبثق فى القمة الإسلامية الحادية عشرة فى دكار عام 2008، وتضمن مفاهيم ومبادئ هى لازمة وضرورية للألفية الثالثة. ولم تكن صدفة أن يتزامن إعلان الاسم والشعار الجديدين للمنظمة فى العاصمة الكازاخستانية، مع ولادة الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان التابعة للمنظمة والتى نص عليها برنامج العمل العشرى باعتبارها إنجاز تاريخى يكفل تعزيز مفاهيم ومبادىء حقوق الإنسان فى العالم الإسلامي، وهى إنجاز يضاف إلى سلسلة إنجازات كبيرة وهامة سوف يكون لها أكبر الأثر على مسيرة العمل الإسلامى المشترك، والنهوض المعنوى بشعوب العالم الإسلامى. لقد حرصنا فى السنوات الماضية على وضع أساس يكفل للمنظمة دورا مركزيا يتواكب مع ما هو، متوقع من 75 دولة تتوزع على أربع قارات، وأثبتنا فى وقت قياسى ارتقاء وتطورا كبيرين تمثلا فى سعى الدول العظمي، والمنظمات الدولية المؤثرة لإقامة علاقات استرتيجية مع المنظمة، والتعاون معها باعتبارها المظلة الجامعة للعالم الإسلامي، وبوابة لتلاق مستحق بين الشرق والغرب. وفى وقت روج فيه البعض لصدام الحضارات، وشن آخرون حملة شرسة على الدين الإسلامى الحنيف، كانت منظمة التعاون الإسلام، خط الدفاع الأول عن الإسلام وتصدت فى أكثر من مناسبة لكل تلك المحاولات المحموم التى أرادت النيل منه، ومن أتباعه.ومع ذلك كله، فقد حرصنا على إبقاء الخيط موصولا مع الآخر، مقتنعين بالحوار ولغة العقل، والتلاقى الذى حث عليه الدين الإسلامى الحنيف، وفى الوقت الذى كانت فيه منظمة التعاون الإسلامى جدارا يحول دون التغول على الأقليات المسلمة، فإنها راعت كذلك افساح مجال واسع للتعايش والاندماج، وإيصال الرسالة الحقيقة للدين الحنيف والبعد كل البعد عن العنف والإرهاب وكل التهم التى ألصقت بالمسلمين عنوة جراء ظروف يعرفها الجميع. وأخيرا، وإذ نؤمن بعقيدة راسخة، أن الطريق إلى تكامل مثالى بين دول العالم الإسلامى ليس مرصوفا بالورود، فإن عيوننا لا تزال معلقة على فلسطين، قضيتنا المركزية فى المنظمة، ويحدونا الأمل بإقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشريف فى أقرب الآجال، وهو ما أعربنا جميعا عنه فى رسالة واضحة وقوية وجهناها إلى المجتمع الدولى فى اجتماع وزراء الخارجية الإسلامى فى أستانة فى يونيو الماضى معربين للعالم أجمع أن فلسطين ستظل ديدننا، ومنارتنا، والسؤدد الذى نعمل من أجله، مهما اختلفت المسميات أو الطرق أو الوجوه.