بالحيرة والقلق نعايش كثيراً من مجالات حياتنا اليوم، سواء فى عالم السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة، وحتى فى أعماق التدين والعبادة. وتتفاوت المشاعر فى حدتها وضبابيتها على ما تضطرب به عوالمنا المحلية والإقليمية والعالمية، وبتأثيراتها على واقعنا وطموحاتنا. ومنذ ما يقرب من ستة عقود من الزمان لا نزال نطرح السؤال (ما مصير تعليمنا؟). وتجف الأقلام، وتمتلئ الصحائف، وتتوالى المؤتمرات والندوات، وتصدر الخطط والاستراتيجيات، ومع ذلك يظل جسم التعليم عقيماً هزيلاً هامداً.وتغدو أهم مقوماته الاستسلام لقيم السلطة، ولثقافة الصمت والإذعان، ولأجواء مسرحية (سمع...هوس). ويتيح كذلك تفاوتاً رهيباً فى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، ويشجع اختلاف أنواع التعليم فى مضامينها ولغتها وإمكانات مصروفاتها أن تكون أداة فى خدمة الأغنياء، وتفسخ ثقافات الشرائح الاجتماعية وطبقاته وطوائفه. نحن مع نظام سلطوى فوقى فى حركته وتفاعلاته من أعلى مستويات السلطة إلى إدارة المدرسة. ويتجمع هذا كله لينعكس فيما يجرى داخل الفصل أو حتى داخل قاعات التعليم الجامعي. هنا نجد معلماً ذا شخصية سلطوية تفرض الهدوء والنظام بالعنف. هو وحده الذى يمتلك المعرفة، وليس للتلاميذ أى خبرات، وهو الذى يقيم ويمنح الدرجات حسبما يراه فى أعمال السنة.ومع المعلم السلطوي، كتاب سلطوى هو الوحيد المقرر الذى تتمثل فيه كل المعرفة ولا معرفة خارج صفحاته. وبين المعلم والطلاب منهج سلطوى مفروض على كل المدارس، لا يتم التحريف فى موضوعاته بما تتطلبه خصوصيات البيئات بين حضرية وريفية أو قاهرية وأسوانية.وفوق المعلم والكتاب والمنهج، ناظر أو مدير مدرسة يطبق تعليمات المنطقة والإدارة والوزارة بحرفيتها دون أى مرونة أو تكييف محلي. ومع نفس النمط موجه فى توجيهه وتقييمه للمدرس. أضف إلى ذلك كله سلطوية الامتحانات، أسئلتها وإجاباتها من المحفوظ المقرر فى ذلك الكتاب «المقدس». وأين هذا من مقولة العالم الأزهرى (من أكبر العيوب تشييخ الصحيفة)!!! ومن ثم أعود إلى تساؤلى (دلونى يا ناس دلوني) كيف يمكن الإدعاء بأن ما يجرى من تعليم يمكن أن يوصف بالديمقراطي!! ربَّاه متى ينزاح القهر عن تعليم أبناء مصر؟!!إنه ليس أمامنا من توجه بعد انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير سوى قبلة واحدة صحيحة لتعليم ديمقراطى لبناء مجتمع ديمقراطي، تشيع وتتفاعل بينه قيم الحرية والعدالة والعلم والمشاركة والاحترام للسلطة، وليس للتسلط، وتعدد أنواع التعليم ومفارقاته. وأعرف ثانياً أنه لن يستطيع أن يدلنى أحد على مثيل لما يجرى من صخب وأحداث وانفعالات فى امتحان الثانوية العامة خصوصاً بعدما وصل إليه الحال من اللجوء فى أعمال المراقبة إلى قوى الشرطة والقوات المسلحة. وثالثاً وأخيراً وليس آخراً لا أعلم أن هناك كثيرين ممن يدلنى على التهوين والاستخفاف بتدريس أنواع الفنون كما يحدث فى مدارسنا. إنها زاد معرفى ووجدانى وتعبيرى وإبداعى أساسى وضرورى لتكوين الإنسان المواطن المتكامل. وبالمناسبة، وصلنى أخيراً كتاب قيم فريد ومتميز من الهيئة العليا لقصور الثقافة مشروع (مسرح الجرن) وهو عنوان الكتاب. ويتأسس نشاط المشروع على تنمية الإبداع وتعزيز الانتماء من خلال القصة والشعر وحكايات القرية وأغانيها وممارسة الألعاب الشعبية إلى جانب فنون تشكيلية وتجربة مسرحية من إبداع الأطفال أنفسهم فى مرحلة التعليم الإعدادي. لكن الذى أدهشنى وأدى بى إلى التساؤل حول (دلوني) أن بعض إدارات التربية والتعليم قد اعتذرت عن عدم المشاركة فى تنفيذ هذا الغذاء الممتع فى مدارسها متذرعة بحجة مسئولى إداراتها التعليمية بأن (هذا النشاط يعطل العملية التعليمية). وهنا يتجلى تسلط الإدارة إذ ليس فى هذا النشاط ما يتصل بالكتاب وبالمنهج وبالامتحان مما هو مقرر. ونعود مرة أخرى إلى التسلط الإدارى الذى يخنق حرية التعبير والتفكير والإبداع. وأتساءل: (دلونى يا ناس دلوني) هل تبقى هناك مسئولون تربويون فى مصر المحروسة ممن لا يعترفون بقيمة الفنون والإبداع فى تكوين المواطن؟!!. المزيد من مقالات حامد عمار