علي كثرة ما كتب عن ثورة25 يناير فقد علمنا التاريخ اننا لانستطيع إنصاف أي ثورة او انتقادها الا اذا ابتعدنا عنها زمنا, فالعواطف المشبوبة ليست معيارا صالحا للتقييم, خاصة أن الثورة اشتعلت بعد ثلاثين عاما سوداء عادت فيها مصر الي الوراء ثلاثمائة عام. لكن الأمر يختلف بالتأكيد اذا كان الكلام عن الثورة ليس من باب التقييم ولكن من باب التأمل والبحث عن الطريقة المثلي التي يجب ان نتعامل بها مع الغد.. مع المستقبل.. ومع طبقات الجهل والتخلف التي تراكمت عبر السنوات الماضية. لقد عرفت مصر الحديثة ثورة(23 يوليو عام1952 م) ثم ثورة التصحيح في(15 مايو عام1971 م) لكن كلتا الثورتين لايمكن انj حملا اسم ثورة بالمعني اللغوي للكلمة, لكن الأمر يختلف تماما مع ثورة(25 يناير) التي اندلعت عام2011 م رسميا لكنها بدأت مكتومة قبل ذلك التاريخ بكثير.. بدأت في كل بيت وفي كل شارع وفي كل مقهي, بدأت في المدارس والجامعات والمصانع ولكن كانت مكتومة ومتفرقة. ودعونا نعترف بأن التدهور الذي حاق بمصر طوال فترة حكم حسني مبارك الطويلة جدا يجعل الثورات أمرا حتميا طالما ان المحكومين ينتمون الي الجنس البشري, ومع أن مبارك استهل حكمه بمشروعات البنية الأساسية وعقد مؤتمرا اقتصاديا موسعا شارك فيه كل علماء مصر الاقتصاديين بشتي انتماءاتهم فإن التفاؤل الذي صاحب هذا المؤتمر سرعان ما تبخر, حيث قام مبارك بتسليم البلاد الي عصابات المنتفعين من حوله لينهبوا مصر قطعة قطعة وهو يقول لهم مشجعا: بالهنا والشفا وكان طبيعيا ألا ينظر رجل بتلك العقلية الي مايسمي بالمواطن وكل مايتعلق به من صحة وتعليم وتشغيل وحياة وتنمية ولقمة عيش, وكان طبيعيا أيضا ان يسود البلاد حالة من الفوضي والتراجع طوال فترة حكمه, ثم جاءت الطامة الكبري حين بدا للجميع ان مبارك الأب في طريقه الي تسليم الخرابة الي مبارك الابن بمنتهي الجرأة والبجاحة. لم يكن شعب مصر يراقب مهزلة مبارك صامتا, كان يراقب وهو في حالة غليان, وكان ينتظر من يقوده للتخلص من عصابة مبارك واسترداد الوطن من براثنهم ولم يكن ذلك القائد سوي شباب مصر الذي أعاد رسم أحلام المصريين بطريقة عصرية تماما لكن ماحدث منذ25 يناير وحتي لحظة كتابة هذه السطور جعل أيام مباركة السوداء مازالت قائمة بيننا, فكلنا أبطال ميدان التحرير وبالتالي يجب ان نكون أصحاب الكلمة العليا في التعامل مع الماضي الذي ثرنا ضده ولايهم كيف نتعامل مع المستقبل الذي انتفضنا من أجله كل يوم صرخة في وجه الثلاثين عاما المنصرمة.. أي غد ينتظرنا وكل يوم هناك اعتصام أمام ماسبيرو وتجمع أمام مجلس الوزراء؟ أي غد نبحث عنه ونحن نبحث كل يوم جمعة عن اسم دلع له؟ والمشكلة أنك لا تستطيع توجيه رجائك الي جهة معينة أو شخص بعينه, فقادة الثورة باتوا بالآلاف وكلما اجتمعت مع خمسة منهم و جدت نفسك أمام سبعة آراء لايلبثون أن يتراجعوا عنها كلية!. لكن هل يعني هذا ان نستسلم جميعا للفوضي وسيطرة البلطجة والعشوائية علي شوارعنا ومقار أعمالنا؟ ألا يعني هذا الاستسلام اننا نمسك في ايدينا بمعاول لكي نمحو كل أثر ايجابي يمكن ان تحدثه ثورة25 يناير؟ ألا يعطي هذا الفشل في استثمار الثورة الفرصة لمبارك وعصابته لكي يخرجوا لنا ألسنتهم بما يعني أنهم وحدهم القادرون علي ادارتنا؟. الأسئلة صعبة والإجابات مؤلمة ولكن كل شئ يصبح سهلا فقط إذا قررنا مواجهة المستقبل بسرعة بعد أن نجيب عن السؤال الأهم الآن في مصر: من أين نبدأ؟ المزيد من مقالات عاطف حزين