لم تحظ جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها الممتد منذ عام 1928 بمثل هذا الوجود الإعلامي والضوء المسلط عليها ليل نهار خلال فترة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فالجماعة باتت القاسم الأعظم في غالبية الحوارات والنقاشات العامة وبات قادتها نجوما تتطلع وسائل الإعلام المختلفة للقائهم ونقل كل ما يصدر عنهم من تصريحات في كل لقاءاتهم وحواراتهم مهما كانت صغيرة وأينما كانت في مختلف محافظات مصر. وقطعا فإن هذا التركيز الإعلامي، الذي أجادت الجماعة توظيفه لصالحها، يعني اعترافا إعلاميا وربما تسويقا من بعض وسائل الإعلام بقوة الإخوان ومدي تأثيرهم الفعلي والمحتمل في الشارع المصري. وقد اعتمدت تلك الحملات علي فكرة أن الإخوان باعتبارهم القوة الأكثر تنظيما والأكثر قربا من الشارع عبر العقود الماضية فإنها بالضرورة هي الأكثر تأثيرا بعد الثورة المصرية وأن شعبيتها بالتالي تفوق ما عداها من قوي في المجتمع. وبدون شك فإن القدرات المادية والتنظيمية لجماعة ما أو حزب ما هي مؤشر فعلي لما يمكن أن يكون لتلك الجماعة أو الحزب من تأثير، ولكن الحقيقة أيضا أن ذلك التأثير سيتوقف حتما علي مدي شعبية وقبول الشارع لتلك الجماعة أو ذلك الحزب والإيمان بأفكارهم. وتلك الحقيقة الأخيرة يحاول الإخوان ومن يدعمهم إعلاميا القفز عليها والتركيز فقط علي القدرات المادية والتنظيمية، بينما تشير استطلاعات الرأي العام التي أجريت عقب الثورة وحتي الآن إلي أن شعبية الإخوان المسلمين في الشارع المصري ليست علي نحو ما تسوقه الجماعة عن نفسها وما يسوقه الإعلام عنها. فالجماعة بتصريحاتها التي يصفها البعض ب «الاستعلائية» بأنهم لن يترشحوا في أكثر من 35% إلي 40% من مقاعد مجلس الشعب عند إجراء الانتخابات وأنهم لن يتقدموا بمرشح لهم لرئاسة الجمهورية هي تصريحات تشير بوضوح إلي أنهم يتفضلون أو يمنون علي القوي السياسية في المجتمع بمنحهم الفرصة للتنافس علي ما قررت الجماعة تركه لها. والتصريحات بهذا الشكل تكرس لفكرة أن شعبية الجماعة جارفة لدي الرأي العام المصري بما يؤهلها لو أرادت أن تفوز بكل أو علي الأقل بأغلبية مطلقة من مقاعد مجلس الشعب ويؤهلها لتأمين فوز الشخص الذي ترشحه لرئاسة الجمهورية. وكما هو واضح فإن تلك التصريحات تشير أيضا إلي أن الغرور قد تمكن من قيادات الجماعة خاصة خلال السنوات التي تلت فوزهم ب 88 مقعدا في مجلس الشعب رغم ما تم ضدهم من تزوير، وهو الغرور الذي انعكس في تصريح القيادي الإخوان صبحي صالح في نهاية نوفمبر من العام الماضي الذي قال فيه « إحنا لو رشحنا كلب ميت في الدائرة الناس حتنتخبه»، وهو الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقاد خاصة في دائرته الانتخابية بشعار أساسي هو «لا وألف لا»، واعتبر بعض الناخبين في الدائرة أن هذا التصريح يحمل وصفا لأبناء الدائرة بأنهم أغبياء، وعبرت بعض البيانات المنددة بالتصريح عن أنه إذا كان الناخبون قد أساءوا الاختيار في دورة 2005 فإنهم يرفضون ترشيحه مرة ثانية. وطبقا للعديد من استطلاعات الرأي العام التي أجريت في مصر سواء تلك التي قامت بها مؤسسات مصرية أو أجنبية أن تأييد جماعة الإخوان لدي الرأي العام يتراوح ما بين 12 إلي 25%. ففي استطلاع أجرته جماعة ثورة للاستطلاعات أيد الإخوان المسلمين 12%، بينما ارتفعت تلك النسبة قليلا بين الفئات الأقل تعليما، إذ وصلت نسبة تأييد الإخوان بين تلك الفئة إلي 15%، بينما انخفضت تلك النسبة إلي النصف تقريبا بين كل من الإناث وأصحاب الدخول المرتفعة. وفي استطلاع آخر في نهاية نفس الشهر أجراه مركز «بيو» الأمريكي لاستطلاعات الرأي العام أجاب 12% من المصريين بأنهم سيصوتون في الانتخابات للإخوان المسلمين. كما عبر حوالي 17% عن إنهم يرغبون في أن يقود الإخوان المسلمون الحكومة القادمة. كما أعربت نسبة تكاد تكون مماثلة عن رغبتها في أن يتولي حزب الغد الذي يقوده مرشح الرئاسة السابق أيمن نور تشكيل الحكومة الجديدة. إضافة إلي ذلك فإن استطلاعا كان قد أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني الأمريكي في منتصف فبراير الماضي أظهر أن 15% من المصريين يؤيدون الإخوان المسلمين. وفي بداية شهر مايو الماضي نشر مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام نتائج استطلاع أجراه في نهاية شهر أبريل اتضح من خلالها أن التيار الإسلامي، الذي يضم أحزاب وجماعات الإخوان المسلمين وحزب الوسط وأي حزب إسلامي آخر قد حصل علي تأييد 14.8% من مجموع المواطنين الذين أكدوا نيتهم أنهم سيصوتون في الانتخابات القادمة. كما أشارت نتائج الدراسة الميدانية التي أجراها مركز «جالوب» لاستطلاعات الرأي العام ونشرت نتائجها في بداية الشهر الجاري إلي أن الغالبية العظمي من المصريين يتمسكون بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع ولكن ليس المصدر الوحيد وفي المقابل يؤكدون أن رأي رجال الدين يجب أن يكون استشاريا لا إلزاميا، وأن شعبية الإخوان لا تتعدي 15% بينما لا تتعدي شعبية رجال الحزب الوطني المنحل 10%، وخلص القائمون علي الدراسة إلي القول أن تلك النتائج تؤكد أن الإخوان لن يسيطروا علي الحكم. ويمكن أن نضيف هنا أن تلك النتائج تطعن بشدة في فكرة أنه بما أن المصريين متدينون ولا يقبلون بالمساس بالمادة الثانية من الدستور، فإنهم بالضرورة سيكونون أكثر انحيازا للجماعات الإسلامية وعلي رأسها جماعة الإخوان. علاوة علي ذلك فإن جماعة الإخوان كانت تعتمد دوما في الحصول علي التأييد والشعبية علي معارضة الحزب الوطني المنحل وشن الهجوم عليه وتقديم أنفسهم باعتبارهم البديل للقضاء علي فساد الحزب وتخريبه الحياة العامة في مصر ومحاولة تصوير الحزب والحكومة علي أنهما ضد الدين بشكل عام، إلي أخره من الاتهامات التي كانت توجه للحزب الوطني والحكومة بشكل عام. وهو الأمر الذي حرمت منه الجماعة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، إذ لم يعد هناك حزب حاكما يمكن الهجوم عليه وعلي سياساته لكسب التأييد الشعبي ولم يعد هناك مجالا للتذرع بممارسة ألوان شتي من التزوير وأصبح الملعب مفتوحا علي مصراعيه لكل القوي السياسية علي قدم وساق. ولعل تجربة الإخوان في الانتخابات الطلابية تقدم دليلا استرشاديا لما يمكن أن يكون عليه الوضع في أي انتخابات ستشهدها مصر. فالجماعة فازت في تلك الانتخابات بما لا يجاوز نسبة 25% في انتخابات جرت بدون الحزب وبدون أمن الدولة وبدون التزوير، الأمر الذي يعني إنه لا يوجد تخوف حقيقي علي حد تعبير الدكتور يحيي الجمل من قيام دولة دينية في مصر وأن التخوف من إمكانية سيطرة جماعة الإخوان المسلمين علي الحكم في مصر هو أمر مبالغ فيه. وخلاصة القول أنه إذا كان من المنطقي الاعتراف بأن الإخوان المسلمين هم الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما في الساحة السياسية في مصر الثورة، فإنه من المؤكد أن شعبية الإخوان لدي الشارع ليست علي النحو الذي يحاول الإخوان تسويقه، وليست من الاتساع إلي درجة تهديد الأحزاب والقوي السياسية الأخري سواء القديمة أو تلك التي نشأت بعد الثورة. ويبقي من الخطورة بمكان التصريحات التي يطلقها قادة الأحزاب والقوي السياسية بشأن قوة الإخوان والتخوف من سيطرتهم علي مقاليد الأمور وعلي الانتخابات في حال إجرائها، كما أن الهجوم علي الإخوان يساعد في تدعيم شعبيتهم ويمنحهم مرة أخري دور «الضحية» في مسلسل لم يعد مقبولا استمراره في ظل الأجواء التي تمر بها مصر حاليا.