الروائي الفرنسي من أصل مغربي الطاهر بن جلون كان الأكثر انتاجا من بين المثقفين العرب المقيمين في الخارج، فيما يتعلق بالثورات العربية. فقد كتب العديد من المقالات منها واحد رفضت جريدة اللوموند الفرنسية نشره حسبما قال هو في لقاء عقده في جامعة القديس يوسف ببيروت في الاحتفال السنوي بشهيد الصحافة سمير قصير مؤخرا وكنت احد حضوره. وابرز هذه المقالات ما نشره في اسبوعية «نوفيل اوبزفاتيور» حول العقيد القذافي، حيث دخل الكاتب داخل عقل الديكتاتور وحاول أن يفهم منطقه وما يعتمل داخله وهو يواجه الثوار المعارضين له والعالم كله الذي أصبح يواجهه وحيدا. اما الانتاج الكبير للكاتب حول الثورات العربية فتمثل في رواية وكتاب، الرواية هي «بالنار» Par le feu التي اثارت جدلا قبل صدورها في الاوساط الثقافية الفرنسية، حيث اتهم صاحب «ليلة القدر» بالاستعجال ومحاولة استثمار الاهتمام الغربي بالثورات العربية لاصدار كتاب يكون واسع الانتشار بغض النظر عن جودته، والرواية تتضمن سيرة متخيلة للشاب التونسي محمد بوعزيزي: الذي احرق نفسه امام بلدية سيدي بوزيد، في هذه الرواية القصيرة ينسج بن جلون حياة متخيلة لبوعزيزي اسرة وخطيبة واصدقاء وجيران ورجال امن، لكي يوضح للقارئ كما قال في لقاء اخير ما الذي دفعه إلي الاقدام علي الانتحار، في هذه الحياة المتخيلة نجد مطاردات رجال الامن، ومحاولات توظيفه لكي يعمل مرشدا لهم، والبطالة التي يعاني منها 44.9% من حاملي الشهادات العليا في تونس و29.8% من شبابها حسب قول بن جلون حتي مشهد النهاية الذي يلبس فيه بوعزيزي لباسا ابيض ويحمل زجاجة بنزين ويذهب ليحرق نفسه امام مبني البلدية. أما كتاب بن جلون حول الثورات العربية فقد صدر يوم 6 يونيو الحالي عن دار جليمار أيضا، وهو بعنوان «الشرارة»: ثورة في البلدان العربية»، وهو يضم عددا من المقالات التي كتبها اثناء اندلاع الثورات وفصولا اخري لم تنشر من قبل، وفيه يتناول عددا من القضايا ذات الصلة بالثورات العربية الراهنة، منها تفنيد الفكرة المتداولة في وسائل الإعلام الغربية حول صمت المثقفين العرب إزاء ما يجري في بلادهم، مبينا عدم صحتها، ويؤكد ان المثقفين العرب رفضوا العيش في الذل والاحتقار منذ اكثر من نصف قرن، برغم كلفة هذا الرفض العالية مثل الموت او سنوات طويلة من السجن والتعذيب البربري. وفي هذا السياق، اشار بن جلون الي كتب كثيرة صدرت في العالم العربي تتناول قضايا حساسة ومنعت او صودرت نسخها، والي جرأة بعض وسائل الإعلام في كل من مصر ولبنان والجزائر والمغرب علي وصف وانتقاد الانظمة الديكتاتورية العربية بانتظام. وقد مهد ذلك في رأيه وساهم بقوة في مجئ ربيع الثورات العربية بطريقة ناضجة يشهد عليها خروج الناس الي الشوارع عفويا واصرارهم علي المضي حتي النهاية في ثورتهم بدون اتباع اوامر اي زعيم او رئيس حزب او حركة دينية. ويطرح بن جلون في كتابه فكرة ان الربيع العربي اثبت ايضا تراجع الحركات الاصولية، الامر الذي بدا في غياب عناصرها وارتباكهم، مثلهم مثل اصحاب السلطة، امام حجم التظاهرات الشعبية التي رفعت فيها قيم جديدة قديمة، كالحرية والكرامة والعدالة والمساواة، لا علاقة لها بالخطاب الأصولي. وحسبما قال بن جلون في لقائه في جامعة القديس يوسف فان كتابه يتضمن فصلين طريفين يتخيل فيهما ما يدور حاليا في عقل كل من حسني مبارك وبن علي بعد سقوطهما، ويعود بعدهما الي الربيع العربي ليلاحظ عدم وجود أي ثورة مماثلة له في التاريخ الحديث، باستثناء ما اسماه «ثورة القرنفل» في البرتغال سنة 1974. وينتقد بن جلون في الكتاب رؤساء الجمهوريات العربية الذين تصرفوا كملوك ذوي سلطة مطلقة واستخدموا العنف والفساد والكذب والابتزاز للبقاء في الحكم وجهزوا اولادهم لخلافتهم، كحافظ الأسد ومعمر القذافي ومبارك وصدام حسين، مرتكزين علي مبدأ واحد: التصرف في السلطة، كما لو ان لا نهاية لعهدهم، شاء الشعب أم أبي، وكي لايثير هؤلاء حفيظة الغرب، اقاموا ديمقراطيات شكلية هي عبارة عن ديكور، بينما بقيت في الحقيقة جميع السلطات في أيديهم فأجهضوا بالعنف أي معارضة لهم وتمتعوا بخيرات بلدهم وعقدوا الصفقات واغتنوا علي حساب شعبهم. وافرد بن جلون ستة فصول من الكتاب الذي تبلغ عدد صفحاته 221 صفحة فقط لحديث عن الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية في كل تونس ومصر والجزائر واليمن والمغرب وليبيا. وفي الفصل المخصص لمصر قدم امثلة علي نظام مبارك البوليسي، وخدعة خطر الإخوان المسلمين الذين لايمثلون في الواقع سوي 20% من المجتمع المصري، لكنه استخدمهم كفزاعة للغرب من اجل مساندته وحماية نظامه.