مأزق الأولويات! أعتقد أنه من بديهيات العمل السياسي أن يكون الرأي العام في أي وطن ديمقراطي شريكا أساسيا في صناعة القرارات التي تؤثر علي حاضره, ومستقبله وذلك استنادا إلي مجموعة من المفاهيم في كراسة العمل الديمقراطي المتعارف عليها دوليا وفي مقدمة هذه المفاهيم أن المشاركة في صنع القرار لم تعد فقط حقا أصيلا للرأي العام باعتباره صاحب المصلحة, وإنما باتت هذه المشاركة تمثل ضرورة يحتاجها أي نظام للحكم ليس فقط من أجل تمرير القرارات وتحصين السياسات, وإنما لحمايتها من أي عوار سياسي أو قانوني أو اجتماعي عند التطبيق وربما يكون السؤال الضروري هو: ما هي الوسيلة المثلي لجعل الرأي العام شريكا أساسيا في صنع القرار؟. وفي اعتقادي أنه ليست هناك وصفة جاهزة يمكن الأخذ بها, والاسترشاد ببنودها.. وعلي سبيل المثال فإن هناك من يعتقدون أن النظم الديمقراطية العريقة أيقنت أن الحل الأمثل في صناديق الانتخابات والاستفتاءات باعتبارها أفضل آلية للتعبير عن الرأي العام وقياس توجهاته الحقيقية.. ورغم ذلك فإن الذين يؤيدون هذا التوجه يعترفون أيضا بأن هذه الروشتة ليست متاحة دائما, وليست مضمونة النتائج بنسبة مائة في المائة, وأن هناك عوامل وعناصر كثيرة تؤثر في توجهات الناخبين, ولكن يظل الاحتكام لصناديق الانتخابات والاستفتاءات هو الطريقة المثلي لجعل الرأي العام شريكا في صناعة القرار. ومع أن هناك في المجتمعات الديمقراطية من يتبنون وجهة نظر أخري بالاعتماد علي حرية الصحافة بوعائها الواسع المقروء والمسموع والمرئي كأسلوب لقياس الرأي العام في العصر الحديث فإنهم يعترفون أيضا بأن صناديق الانتخابات والاستفتاءات تظل هي أفضل وسيلة للقياس الصحيح لأنه مهما بلغت درجة الحيدة في قيام وسائل الإعلام بالعرض الأمين والمتكافيء لجميع الآراء سواء كانت معتدلة أم متطرفة, فإنها تظل وسيلة قاصرة, وغير كافية للتيقن والثقة في أن آراء النخبة يمكن أن تكون مقبولة من آراء الغالبية العظمي التي هي صلب وركيزة الرأي العام الحقيقي. وهذا هو لب وجوهر المأزق المستحكم حاليا بين من يطالبون بإجراء الانتخابات أولا احتراما لنتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية وبين من يرون ضرورة وضع الدستور أولا تجاوبا مع رأي النخبة.
خير الكلام: التضليل قد يؤخر نور الحقيقة لكنه لا يطفئها! Morsiatallah@ahram. المزيد من أعمدة مرسى عطا الله