1 كانت القاعة التي حدثتك عنها, المضاءة في أماكن, والمعتمة في أماكن أخري, تحتوي بعض المدافن فضلا عن مجموعة نادرة من المقتنيات. المدفن الأول الذي في منتصف المكان تقريبا عبارة مقام جميل من خشب الصندل الهندي له ملمس ولون الشيكولاته مشغول يدويا ولا يعلق به الغبار. هذا مدفن الوالدة باشا أم الخديوي إسماعيل. والذي كان اسمها يطلق علي شارع أمريكا اللاتينية حيث السفارة الأمريكية وعمارة إيزيس التي عاش بها المفكر محمود أمين العالم والسيدة سميرة الكيلاني رحمهما الله. أما المقبرة الأخري فهي عبارة عن حوض ينخفض حوالي متر عن سطح الأرض وهو تحت نافذة في صدر المكان عليها غطاء من المرمر حفرت فيه الشهادتين بشكل معكوس للواقف مثلك أو مثلي, إلا أن الشمس التي تغمره من هذه النافذة تعكس الشهادتين بحيث يمكن قراءتهما معتدلتين علي الجثمان المدفون, وقد قيل لنا أنه مدفن الأمير محمد علي صاحب قصر المنيل وابن الخديوي توفيق. 2 كان الحارس أحضر السركي القديم الذي قيدت به التفاصيل الخاصة بهذه المحتويات مع ذكر قيمتها المادية التي وقع عليها والده أو جده بالاستلام. وهو فتح الصفحات وراح ينظر بعينيه ويرفع يده إلي السقف مشيرا إلي نجفة صغيرة بديعة قال أنها من الذهب الخالص وبحث في السركي وأضاف أن ثمنها المقيد هو25 مليون جنيه, وعلي الحائط كانت لوحة في برواز قيد فيها القرآن كاملا وقال أن هذه هي اللوحة الأصلية المكتوبة بخط اليد وسعرها كما حدده المثمن هو مليون من الجنيهات. وفي ركن من القاعة كان الصالون الذي أعده الخديوي إسماعيل من أجل استقبال الإمبراطورة أوجيني في حفل افتتاح قناة السويس عام 1869, وهو من الأبنوس وكنبته طويلة ومكسوة مع المقاعد التي قعدت عليها الإمبراطورة بحرير له خطوط عريضة من الأصفر والأسود, وبحث في الدفتر المفتوح وقال: مكتوب أمامه انه لا يقدر بمال, وفي أحد الأركان كانت هناك فازتين مكورتين من مادة رخامية أو مرمرية أشعل قداحته البلاستك ومد يده داخلهما فانبثقت منهما مجموعة من الألوان التي لم يسبق لأحد رؤيتها قبل الآن وقال أن ثمن كل واحدة مليونين من الجنيهات, كما فرشت علي الأرض سجادتين أكبر من سجادة الصلاة قليلا وقال أن الخبراء أوصوا بإنزالهما من الحائط وفردهما حفاظا لهما من التهدل وربما قال أن كل منهما به أكثر من مائتين عقدة في السنتي المربع وثمن كل واحدة مليونين ونصف من الجنيهات كما هو مقيد. وكانت هناك آخر كسوة عادت بها البعثة المصرية بعدما أهدت الجديدة إلي مدينة مكة شأن ما كنا نفعله كل عام. وأشياء أخري من هذا القبيل. وهو لم ينس أن يطلب منا مراعاة أن هذه حسب أسعار زمان. 3 غادرنا المكان ووقفنا في الساحة الخارجية دون أن نفهم أبدا ما الذي تفعله هذا المقتنيات داخل هذا المكان المغلق الذي يمكن لأي مواطن مزنوق أن ينزع القفل بيده ويدخل يتوكل علي الله, ولا تنسي مثلا أن المنطقة عموما مزدحمة بمجموعة مهمة من المدافن الأثرية مثل مدفن الشيخ الإمام محمد عبده الذي تم إهماله حتي تهالكت جدرانه وتحول إلي مقلب زبالة عمومي للمنطقة وما جاورها, كذلك مدفن عمر مكرم هناك عند جامع برقوق وغيرها تحولت إلي مراحيض عمومية وما شابه. هذه المواقع الأثرية كلها تقع تحت ولاية تنازعتها جهات ثلاث ليست أحدهما أفضل عن الأخري هي هيئة الآثار والأوقاف ومحافظة القاهرة التي تآزرت جميعا علي تحويلها إلي خرائب فرائس لا حول لها ولا قو. 4 ما أن غادرنا القاعة ووقفنا في الشمس حتي عاودت آلام المعدة صديقنا الشاعر المغربي بنيس. وهنا أخذه الحارس واتجه إلي بيته الصغير حيث دله علي موقع المرحاض وعاد. وقفنا نتكلم علي مقربة من عدة مقابر في العراء أشار إلي واحدة وقال: - الدكتور مشرفة. وكانت هناك أسماء أخري معروفة وأنا نسيتها. واتجه إلي الركن وقال أن والده كان حجز هذا المكان لنفسه ولكنه مكان مزنوق, لذلك عندما أرادوا أن يدفنوا عمه إلي جواره اضطروا لتحريك أبيه فانفصلت رأسه عن جسده, وتقدم بنا قليلا وأشار إلي مساحة أخري وقال: - أنا حجزت لنفسي هنا جنب الحيطة, علشان أنام براحتي, لا حد يجيبني هنا, ولا حد يجيبني هناك. المزيد من مقالات إبراهيم اصلان