فضل الله عز وجل بعض الشهور علي بعض, كما فضل بعض الأماكن علي بعض, بما اقتضت حكمته سبحانه وتعالي ليجد فيها العباد البر وليكثروا فيها من الأعمال الصالحة, فشهر رجب اختصه الله عز وجل بفضائل كثيرة, فهو من الأشهر الحرم, وبه ليلة الإسراء والمعراج التي فرض الله فيها الصلاة علي المسلمين. ويشير الدكتور عبدالغفار حامد هلال الأستاذ بجامعة الأزهر إلي أن شهر رجب هو من الأشهر الحرم الأربعة التي لها فضائلها, قال تعالي: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم...( التوبة:36). والأشهر الحرم التي حددها المولي عز وجل هي: ذو القعدة, ذو الحجة, المحرم, ورجب, ومعني فلا تظلموا فيهن أنفسكم النهي عن هتك حرمتها وارتكاب المعاصي فيها, فمعني ذلك تطهير نفس المؤمن خلال هذه الأشهر وتهيئتها لطاعة الله تعالي ومنها شهر رجب. وقد وردت الأحاديث الصحيحة بفضل الصيام في هذه الأشهر علي سبيل التطوع اتباعا لسنة النبي صلي الله عليه وسلم, فروي أبو داود عن مجيبة الباهلية عن أبيها أنه أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم انطلق, فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته, فقال يا رسول الله, أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول, قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل, فقال رسول الله صلي الله عيه وسلم: لم عذبت نفسك؟ ثم قال: صم شهر الصبر ويوما من كل شهر, قال زدني فإني بي قوة, قال: صم يومين, قال: زدني فإن بي قوة, قال: صم ثلاثة أيام, قال: زدني, قال: صم من الحرم واترك وكررها ثلاثا فالصيام في شهر رجب له ثواب كبير, كما يجوز للمؤمن الاعتكاف فيه مع الصيام, لأن الاعتكاف مع الصيام أفضل ويستحب فيه فعل الطاعات وذكر الله تعالي. ولهذا الشهر فضيلة كبري بوقوع الإسراء والمعراج فيه, فقد شرف الله تعالي الأمة الإسلامية بمسري نبيها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من مكةالمكرمة إلي بيت المقدس بالشام والصلاة في المسجد الأقصي إماما بالأنبياء والمرسلين, كما قال تعالي: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم( الإسراء:1). وقد عرج به صلي الله عليه وسلم من بيت المقدس إلي السموات العلا, ولقي صلي الله عليه وسلم ربه عز وجل عيانا, حيث قال تعالي: ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني فأوحي إلي عبده ما أوحي ما كذب الفؤاد ما رأي( النجم:8 11). وقد فرضت الصلوات الخمس وكانت في أول الأمر خمسين صلاة, ثم صارت خمسا في العمل وخمسين في الأجر والثواب, وكان ذلك في ليلة واحدة في جزء منها هي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة إلي المدينة بسنة. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل رجب يقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.