ليس هناك شك في أن حزب العدالة والتنمية التركي يتأهب للفوز عن استحقاق بفترة ثالثة يحكم فيها منفردا في الانتخابات البرلمانية التي ستجري خلال أيام قليلة. فالأتراك يشعرون بالامتنان لما حققه الحزب تحت زعامة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء من انجازات, منذ توليه السلطة قبل ثماني سنوات.. فتركيا لم تخرج فقط من أزمة اقتصادية خانقة, بل أصبحت أسرع الاقتصاديات نموا بعد الصين والهند وتضاعف مستوي الدخل الفردي بها, واستطاع أردوغان بإبقائه حلم الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي حيا أن يتمم ما سعي إليه من إصلاحات ديمقراطية, وحين أحبط الأوروبيون طموحاته, نجح في تحويل طاقة التغيير نحو بلورة دور مستقل ونافذ لتركيا اقتصاديا وسياسيا في المحيطين الإقليمي والدولي, والأهم أنه استطاع بهدوء أن يرفع قبضة المؤسسة العسكرية علي صناعة القرار المدني. لكن ما يثير القلق أن الحزب لا يسعي فقط للفوز, ولكن لاقتناص أغلبية الثلثين حتي يتمكن منفردا من صياغة دستور جديد يعكس قيمه وتوجهاته التي هي ليست محل إجماع من كل أطياف المجتمع, وبصفة خاصة الطيف العلماني منه, وأن أردوغان في سبيل تحقيق هذا الهدف انتهج في حملته الانتخابية نهجا قوميا, وأنه فرض قيودا علي حرية الصحافة, وتراخي في حملاته لمواجهة الفساد, وبدا غير مكترث بانتقادات المعارضة لسياساته. الخلاف ليس علي تغيير الدستور, فهناك إجماع علي ضرورة تغيير دستور صاغه العسكريون في ثمانينيات القرن الماضي ولم يعد مناسبا للتغيرات التي طرأت علي المجتمع, ولكن علي سعي أردوغان لتغيير قواعد اللعبة إلي نظام رئاسي ذي سلطات تنفيذية قوية علي النمط الفرنسي أو الروسي, وأنه لم يخف طموحاته في تولي رئاسة البلاد في ظل قواعد جديدة يرسيها, وهو ما يوجد مشكلات لنظام مثقل بالمركزية أصلا. طريق السلامة إذن يقتضي أن تخرج الانتخابات بنتائج تعطي تمثيلا مناسبا للمعارضة, وتجعل صياغة الدستور محل تشاور والتوصل إلي حلول وسط مع كل الأحزاب وجماعات المصالح المتعددة وليس حكرا علي حزب العدالة والتنمية.. فتركيا لم تعد قصة نجاح فقط, بل نموذجا لديمقراطية في دولة ذات أغلبية مسلمة يرقب الكثيرون في منطقتنا العربية بشغف الاحتذاء بها. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني