النيل هو شريان الحياة، لا جدال فى ذلك، وكذلك علاقتنا بدول حوض النيل أبدية وتاريخية ولا يمكن لأحد مهما كان ان يفصم عرى وشائجها المروية بماء النيل النفيس, النهر الخالد الذى استلهم منه الشعراء أجمل القصائد وتغنى له كبار المطربين يسرى فى عروق المصريين مسرى الدم فى الشرايين, أن من إتيحت له زيارة إحدى دول حوض النيل يشاهد معجزة إلهية على الأرض المنحدرة بشدة من أعلى – حيث دول المنبع – إلى أسفل حيث دول المصب مصر والسودان وكأن الخالق أراد منذ بدء الخليقة تأمين حياة المصريين قبل أن يكون كائن على هذه الأرض. لقد أولت السياسة الخارجية المصرية اهتماما كبيرا بالقارة الأفريقية، فقد كانت الدائرة الأفريقية إحدى الدوائرالهامة فى فكر وعقل قادة ثورة 23 يوليو 1952.. واليوم تؤسس ثورة 25 يناير2011 المجيدة لعلاقة قوية مع دول المصب تدشنها زيارة الوفد الشعبى وتبنى على مكتسباتها زيارة الدكتور عصام شرف الأخيرة لكل من أوغندا وأثيوبيا. الشاهد أن مصر سعت منذ القدم إلى تنظيم علاقتها بدول حوض النيل والاتصال الدائم بدولها بالاتفاق على الأسلوب الأمثل لاستغلال مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض مع الحفاظ على حق مصر التاريخي فى مياه نهر النيل. وبالفعل نجحت مصر فى ذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، يصل عددها إلى أكثر من 15 اتفاقية، وقع بعضها أبان فترات الاستعمار وكان لها تأثير على العلاقات الحالية بين مصر ودول الحوض, ووقعت مع إثيوبيا خمسة اتفاقيات تنظم العلاقة مع أديس أبابا التي يرد من هضبتها 85% من مجموع نصيب مصر من مياه النيل، وكذلك إطار التعاون الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993 بين البلدين وكان لهذا الإطار دور كبير فى تحسين العلاقات المصرية الإثيوبية وتضمن هذا الإطار التعاون بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل. ولأن المصدر الثانى لمياه النيل يأتى من الهضبة الاستوائية التى تضم ست دول هى: كينيا، تنزانيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، رواندا، بوروندى فقد تم عقد عدد من الإتفاقيات تنظم العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية، ونظراً للمستجدات المستمرة ولطبيعة الدول العشر المشكلة لحوض النيل وما شهدته من تطورات بعد زوال الاستعمار، وحرصاً من مصر على مد جسور التعاون مع دول حوض النيل لما تشكله من عمق استراتيجى لمصر وما يمثله النيل فى حياة المصريين, فقد أصبح من الضرورى إيجاد آليات جديدة للتعاون الإقليمى بين دول الحوض إلى جانب الإتفاقيات السابق الإشارة إليها، إنتهت إلى تأسيس مبادرة حوض النيل عام 1999 بهدف وضع استراتيجية للتعاون بين الدول النيلية والانتقال من مرحلة الدراسات إلى مرحلة تنفيذ المشروعات، وقد رفعت المبادرة شعار تحسين معدلات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر, ولأول مرة انضمت كافة دول حوض النيل إلى آلية من آليات التعاون بينهم بصفة أعضاء عاملين باستثناء إريتريا التى اكتفت بصفة مراقب, وقد اشتملت المبادرة على 22 مشروعاً موزعة على محورين: مشروعات الرؤية المشتركة على مستوى دول الحوض العشر، وقد وزعت تلك المشروعات على دول الحوض ليقوم كل منها بدوره فيها، واحتفظت مصر بمشروعات التدريب التطبيقى, مشروعات الأحواض الفرعية، وقد قسمت تلك المشروعات إلى منطقتين يقع تحت كل منها مجموعة من المشروعات التنموية. إلا أن توقيع دول منابع النيل على الإتفاقية الإطارية لإعادة تقسيم مياه النيل يوم 10 مايو من العام الماضى أوقف مؤقتا هذا التعاون المخطط بسبب الخلاف الشديد مع دول المصب مصر والسودان كون الإتفاق ينهى الحصص التاريخية للدولتين الأخيرتين حيث نص على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول من موارد مياه المنظومة المائية. أتصور أن القراءة المتأنية للإتفاق الاطارى تشير إلى الكثير من النقاط الإيجابية التى يمكن البناء عليها بين دول المنبع والمصب لاستمرار التعاون الذى لا بديل عنه لمصلحة جميع الأطراف، خاصة وأن الفرصة مازالت قائمة للتوصل إلى صيغة توافق تراعى الحقوق التاريخية المصرية فى مياه النيل بعد قرار أوغندا وأثيوبيا تأجيل التصديق على الإتفاقية لحين إنتهاء الانتخابات المصرية الرئاسية والبرلمانية وهو الأمر الذى يتطلب نشاطا دبلوماسيا مكثفا خلال الفترة القادمة مع دول الحوض لتأمين شريان الحياة وهو ما ظهرت إرهاصاته فى الزيارة الناجحة للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لكل من أوغندا واثيوبيا. المزيد من مقالات محمود النوبى