سارعت موسكو فور تلقي نبأ تصفية بن لادن الي الاعلان عن ترحيبها مؤكدة انها كثيرا ما اكتوت بنار عملياته الارهابية وتخريب مبعوثيه الذين سبق واوفدهم للعمل في الشيشان وبقية مناطق شمال القوقاز. واذ اشارت الي ان ما قامت به الولاياتالمتحدة جاء نتيجة تضافر الجهود الجماعية التي تواصلت لمكافحة الارهاب الدولي حذرت موسكو من احتمالات قيام فلول القاعدة بعمليات ارهابية جديدة. موسكو لم تخف فرحتها, توالت ردود الفعل من جانب ممثلي الكرملين وغيره من المؤسسات الرسمية تؤكد جميعها الارتياح تجاه نجاح عملية تصفية بن لادن وإن اعرب البعض عن مخاوفه من احتمالات الثأر والانتقام من جانب انصاره ومريديه. ولذا كان من الطبيعي ان تعود الاوساط الرسمية الروسية الي مناشدة المجتمع الدولي تضافر الجهود والتعاون من اجل اجتثاث جذور الارهاب, مؤكدة ما قامت وتقوم به موسكو في هذا المجال. وكانت صحيفة' كومسومولسكايا برافدا' الروسية كشفت عن تفاصيل خطة مشتركة بين موسكووواشنطن استهدفت تحديد مقر بن لادن منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر2001. قالت ان موسكو اوفدت مجموعة من الضباط السابقين الذي قاتلوا في افغانستان للتشاور مع عدد من ممثلي المخابرات المركزية الامريكية وامدادهم بخرائط عسكرية الي جانب تشكيل مجموعة سرية من المسلمين الروس العاملين في جهاز المخابرات الروسية ممن اوكلت اليهم مهمة التسلل الي صفوف انصار بن لادن وكسب ثقتهم بوصفهم من المقاتلين في شمال القوقاز. وبغض النظر عما يمكن ان تكون موسكو قد قامت به لمساعدة واشنطن في تحديد مقر اقامة بن لادن فان احدا لا يستطيع ان يقول ان مقتل زعيم القاعدة اعلان عن انتهاء حقبة سوداء قضت مضاجع البشرية لسنوات طوال الي غير رجعة في نفس الوقت الذي سارع فيه آخرون الي تاكيد ضرورة علاج المقدمات من اجل ان تستقيم النتائج. ومن هنا يعيد الكثيرون في موسكو الي الاذهان ارتباط مولد بن لادن كزعيم للارهاب الدولي بما قامت به الولاياتالمتحدة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي لتغذية التطرف وتدريب وتمويل الارهابيين من المجاهدين الذين توافدوا الي معسكرات بيشاور علي الحدود. الافغانية الباكستانية بمشاركة بلدان عربية بهدف مواجهة الغزو السوفييتي لافغانستان ومحاربة الالحاد. وكشفت المصادر الروسية عن التدخل المباشر من جانب مبعوثي بن لادن الذين توافدوا الي منطقة شمال القوقاز بدعم ومباركة الولاياتالمتحدة في حينه لتقويض امنها واستقرارها ووحدة اراضيها في تسعينيات القرن الماضي. وقالت صحيفة روسيسكايا جازيتا الجريدة الرسمية للدولة ان هؤلاء كانوا قد جاءوا الي الشيشان لدعم الحركات الانفصالية التي اندلعت هناك في مطلع تسعينيات القرن الماضي وشاركوا في الحرب الشيشانية الأولي1994 1996 ومنهم ابو سيف الذي اشارت الصحيفة الي انه تولي مهمة التنسيق مع الخارج وانشأ ما يسمي ب' الكتائب العربية' للقتال ضد' الكفار'. غير ان الوافد الاشهر كان خطاب الذي حارت المصادر في اصله ونسبته تارة الي الاردن واخري الي المملكة السعودية واشتهر بصداقته مع الارهابي الشيشاني رقم واحد وهو شاميل باسايف حتي قضي نحبه علي ايدي اجهزة الامن والمخابرات الروسية في عام2002 من خلال خطاب' مسموم' فيما لحقه رفيقه بعد ذلك التاريخ بسنوات قلائل. وكان زعماء الشيشان حرصوا ايضا من جانبهم علي زيارة افغانستان ومعسكرات تدريب' المجاهدين' علي الحدود مع باكستان خلال تسعينيات القرن الماضي ومنهم سليم خان يندر بييف ثاني رئيس للشيشان والذي التقي هناك مع اسامة بن لادن والملا عمر زعيم طالبان وحتي نجحت الاجهزة الروسية الخاصة في تصفيته في قطر التي كانت استضافته مع ذويه بعد هروبه من الشيشان وما كان في حينه مشكلة كادت تفسد علاقات البلدين. علي ان ذلك لم يمنع روسيا من التوقف عن ملاحقة زعماء التشكيلات الارهابية ومنهم ممثلو القاعدة ممن توافدو علي شمال القوقاز لتأجيج الحركات الانفصالية وتغذية ميول التطرف ونشر الافكار الدينية الهدامة. ثمة شواهد تقول ان اختفاء بن لادن اليوم لن يكون في صالح الاجهزة الامنية للكثير من البلدان وروسيا ليست استثناء وهي التي كثيرا ما بررت الكثير من اخفاقاتها متذرعة بصعوبة الوقوف وحدها امام سطوة وقوة انتشار شبكة' القاعدة' التي قالوا انها المسئولة عن تدريب وتمويل الكثير من المجموعات الارهابية وتنفيذ العديد من العمليات التخريبية في ارجاء متفرقة من العالم.ولعل ما جري ويجري في منطقة شمال القوقاز من انفلات امني ثمة من عزاه الي تكثيف القاعدة وممثليها الوافدين من المنطقة العربية لنشاطهم في القوقاز يعود في الكثير من جوانبه الي قصور استراتيجية الامن في روسيا وتدهور السياسات الاقتصادية والاجتماعية, الي جانب انتشار الفساد والرشوة وتزاوج السلطة مع الجريمة ورأس المال وهو ما سبق واعترف به علي استحياء الكثيرون من زعماء روسيا ومنهم الرئيس دميتري ميدفيديف ورئيس حكومته فلاديمير بوتين.ولعل مثل هذا القصور يمكن ان يساعد القوي المتطرفة في محاولاتها الرامية الي تعويض الخسارة التي تكبدتها بمقتل زعيم' القاعدة' في المناطق' الهشة' امنيا مثل منطقة شمال القوقاز التي تجنح يوما بعد يوم الي المزيد من الأسلمة, إن جاز هذا التعبير وهو ما يقولون انه يقتضي من قيادات الاجهزة الامنية الروسية مجهودا اكبر من اجل احتواء الاخطار المرتقبة. وفي هذا الاطار يحذر الخبراء من مغبة اغفال ان مقتل الزعيم لن يكون نهاية المطاف لاسباب يعود معظمها الي طبيعة بناء هذا التنظيم الاخطبوطي القائم علي شبكة يقوم تفرعها علي اساس أفقي وليس رأسيا. ومن ثم فان غياب الرأس لن يعني غياب العقل المدبر نظرا لوجود الكثير غيره وهو ما نشهده في شمال القوقاز التي لا تزال تعرب عن مخاوفها من هذا الشر رغم نجاحها في تصفية العديدين من موفدي ورسل' القاعدة'. وننقل عن الخبير الامني الروسي الكسندر جولتس توقعاته حول احتمالات تكثيف الارهابيين لنشاطهم في المستقبل القريب ومحاولات توجيه عدد من الضربات الموجعة انتقاما وثأرا لمقتل زعيمهم بن لادن. وبهذه المناسبة قال الجنرال فلاديمير فاسيليف الذي انتقل من موقعه القيادي في صفوف وزارة الداخلية الروسية الي رئاسة لجنة الامن في مجلس الدوما ممثلا للحزب الحاكم انه اذا كانت الاجهزة الامنية تستمد خبراتها مما تقوم به من عمليات تستهدف تصفية اوكار الارهابيين وتدمير شبكاتهم فان هؤلاء الارهابيين يعملون بدورهم من اجل استيعاب ما وقعوا فيه من اخطاء ويبتكرون السبل الجديدة من اجل الرد علي هجمات القوات الرسمية وهو ما يفسر تمسك القيادات السياسية والامنية الروسية بطلب المزيد من التنسيق والتعاون المشترك في مجال مكافحة الارهاب الدولي.