يقوم الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر بجولته الخليجية الثانية اليوم, التي من المقرر أن يزور خلالها كلا من دولة الامارات العربية والبحرين وسلطنة عمان, وذلك استكمالا لجولته الخليجية الأولي الأسبوع الماضي, والتي زار خلالها كلا من السعودية والكويت وقطر. , وتكتسب الجولتان أهميتهما في هذا التوقيت, بالنظر للاعتبارات التالية: - أن الفترة الأخيرة شهدت نوعا من الحساسية التي لا مبرر لها خاصة في العلاقات المصرية مع كل من السعودية والإمارات, خلقتها وزادت من حدتها مقالات إعلامية تحدثت عن تدخل من الدولتين في الشئون الداخلية المصرية وهو ما نفته السلطات المسئولة في البلدين, وتناثرت في نفس الوقت أحاديث لشخصيات مصرية سياسية وأدبية تعرضت للسياسة السعودية بصورة حادة, وذلك في إطار انتقادها لبعض الصفقات الاقتصادية التي وافقت عليها الحكومة السابقة مع شركات استثمارية سعودية وخليجية, وبما يتجاوز الأبعاد الاقتصادية لذلك إلي نوع من التحريض السياسي الذي لا صلة له بالموضوع. - أن تصريحات السيد وزير الخارجية المصري بخصوص العلاقات مع إيران تضمنت إشارات حول توجه مصري لصياغة علاقات جديدة مع إيران, وبما يتجاوز دول الخليج, وزاد من التأثير السلبي لهذه التصريحات أنها تزامنت مع تصاعد الضغوط الإيرانية علي دول الخليج بصورة حادة, وبدا الأمر كما لو أن مصر ليست معنية بما تتعرض له دول الخليج وأنها بصدد تبديل تحالفاتها في تلك المنطقة, ورغم أن وزير الخارجية أعاد ضبط هذه التصريحات, إلا أن اندفاع السادة المرشحين لرئاسة الجمهورية حول العلاقات مع إيران, رغم أن فيها جانبا موضوعيا يحتاج إلي متابعة, إلا أنها أغفلت النظرة الشاملة للسياسة المصرية تجاه منطقة الخليج والمنطقة العربية بأكلمها. - أنه من الواضح أن السيد رئيس الوزراء قد سعي لإعادة العلاقات المصرية الخليجية إلي مسارها الصحيح, وتأكيد أن المصالح المشتركة للدولة المصرية مع تلك الدول, هي التي تحكم وتحدد طبيعة ومستوي تلك العلاقات, وأن ذلك ليس مرهونا بتوجهات خاصة للنظام السابق, وستبقي تلك العلاقات ما بقي إدراك قادة البلدين إلي الحاجة إلي تطوير هذه المصالح والمحافظة عليها, وإذا ما تواصل الحوار علي مستوياته المختلفة بين المسئولين في البلدين بخصوص قضايا الاهتمام المشترك, ومن الواضح من البيانات والأحاديث التي رافقت زيارة السيد الدكتور عصام شرف في جولته الخليجية الأولي, أنه حرص بصورة أساسية علي شرح توجهات السياسة الإقليمية والدولية لمصر الثورة وحدود الحركة مع القوي الإقليمية في المنطقة. وانطلاقا من ذلك, فإن إرساء دعائم قوية للعلاقات المصرية الخليجية يقتضي الاشارة إلي أنه إذا كان مفهوم الأمن القومي يعني في جانب أساسي منه توفير كل متطلبات التنمية الشاملة, وتحقيق رفاهية المواطن, فإن السعودية وباقي دول الخليج تمثل عنصرا أساسيا ضمن عناصر الأمن القومي المصري, وذلك إذا ما عرفنا أن نحو نصف العمالة المصرية في الخارج موجودة في دول الخليج, وأن إجمالي تحويلاتهم تقترب من الدخل السنوي في قناة السويس, كما أن الاستثمارات الخليجية في مصر تتجاوز خمسين مليار دولار شملت قطاعات اقتصادية متعددة( سياحة وزراعة ومشروعات صناعية وإسكان وغيرها), بالإضافة إلي منح متعددة شملت مشروعات عملاقة لا تزال شاهدا علي ذلك. كما أن الفرص واعدة لزيادة هذه الاستثمارات خلال السنوات القادمة, ومن الضروري كذلك أن تنتبه النخبة السياسية والإعلامية المصرية إلي حقيقة أن الأمن في الخليج عنصر أساسي من عناصر الأمن القومي وأن العلاقات المصرية مع دول الخليج من الضروري أن تكون ذات اتجاهين, فالسعي لتوسيع الفرص أمام العمالة المصرية في تلك الدول وجذب الاستثمارات الخليجية, يتطلب تفهما مصريا لمخاوف تلك الدول, ومواقف مصرية مساندة لما تتعرض له من ضغوط, دون الدخول في تصادمات مع إيران, كما أن صياغة علاقات متوازنة مع إيران يجب ألا تقفز فوق العلاقات مع الدول الخليجية, فالاستراتيجية الإيرانية لا تزال ترتكز علي الهيمنة علي منطقة الخليج التي تعتبرها طهران الدائرة الحيوية الأولي بالنسبة لمشروعها السياسي الاستراتيجي, وإبعاد أي نفوذ مصري داخلها, ولعل تجربة إعلان دمشق التي تم الاتفاق عليها بعد حرب الكويت والتي تضمنت استعانة دول الخليج بمصر وسوريا لمواجهة أي تهديدات خارجية, ورفضتها إيران بقوة ورضخت دول الخليج لضغوطها آنذاك شاهد علي مدي حساسية طهران من أي حضور مصري في تلك المنطقة. ولا شك أن الحرص علي علاقات مصرية متميزة مع دول الخليج يمكن أن ترتب علاقات مصرية إيرانية متوازنة توسع من الخيارات المصرية وتوفر أوراق مساومة تستعيد بها مصر دورها الإقليمي المؤثر علي قاعدة الحوار والمصالح, ومن الضروري هنا تأكيد عدد من الاعتبارات التي من بينها: - أن مصر لها الحق في تحديد إطار حركتها الإقليمية والدولية بما يتفق مع مصالحها مع مراعاة مواقف الدول التي تتشابك مصالحها معها. - أن إيران قوة إقليمية لها مصالحها التي تسعي لتحقيقها وهذا حقها, إلا أنها في سبيل تحقيق ذلك تمس بعض المصالح المصرية, الأمر الذي يقتضي البحث عن صيغة للحوار والتفاهم بدلا من العزلة والتصادم, وطبقا لما يتوافق مع المصالح المصرية بالدرجة الأولي وبغض النظر عن السياسة الأمريكية بهذا الخصوص. وبصفة عامة, فإن من المتوقع أن تنجح الجولة الثانية للدكتور عصام شرف في إزالة سحابة الصيف التي شابت العلاقات المصرية مع بعض الدول الخليجية ارتباطا بشخصيته الهادئة وقدرته علي فتح الملفات الحساسة بصورة مباشرة, كما أن تقديره للمواقف الايجابية للدول الخليجية وتأكيده المتواصل علي ذلك يمكن أن يرتب لعلاقات أكثر تطورا ووضوحا خلال المرحلة القادمة, فلا مبرر علي الاطلاق لأي شيء يمكن أن يعكر جوهر هذه العلاقات, وقد يكون من المفيد بهذا الخصوص أن يتم الاتفاق علي تشكيل منتدي للحوار الاستراتيجي مصري خليجي( رسمي وغير رسمي) يعقد بصفة دورية, وتناقش فيه جميع القضايا المشتركة وذات الاهتمام لاستيعاب أي شوائب يمكن أن تمس العلاقات بين الطرفين في حينه. ولعل من المفيد أيضا أن يتم لاحقا مناقشة العلاقات المصرية القطرية بصورة أكثر وضوحا ودون حساسيات للوصول إلي صيغة تحصن هذه العلاقات وترسي قواعد أكثر إيجابية لتطويرها خلال المرحلة القادمة خاصة أن هناك الكثير من مجالات الحركة المشتركة. إن المنطقة العربية بعد الثورات والتغيير الديمقراطي الذي شهدته ولا تزال تشهده, مقبلة علي تغيير في التحالفات الإقليمية التي سادت خلال السنوات الأخيرة وكذلك عملية مراجعة للارتباطات التي سادت بين دول المنطقة والسياسة الأمريكية تجاهها, وهو ما يتطلب وضع استراتيجية مصرية ترسم مستقبل الحركة والسياسة الخارجية المصرية خلال المرحلة المقبلة, ولا يجب أن يؤثر الانشغال المصري بعملية البناء الداخلي وإعادة بناء الدولة المصرية علي أسس جديدة تتوافق مع مقتضيات العدالة والحرية والشفافية, علي السعي لتأكيد الحضور المصري, فيما يتم من ترتيبات إقليمية قادمة, ولا شك أن توسيع الخيارات ونسج التحالفات يجب أن تكون هدفا رئيسيا أمام متخذ القرار المصري, فمصر دولة دور, ويجب ألا تنعزل عما يجري خارجها, وتزيد من تفاعلاتها مع ملفاتها وقضاياها بما يتوافق مع المصلحة المصرية ومتطلبات الأمن القومي المصري. نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط المزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات