بعد مرور أكثر من شهر علي وقوع أكبر زلزال تم تسجيله في تاريخ اليابان بقوة9 درجات بمقياس ريختر والذي أعقبه أمواج المد العاتية تسونامي. وخلف وراءه أكثر من27 ألف قتيل ومفقود ووصل عدد اللاجئين الي150 ألف شخص وانهيار المحطة النووية فوكوشيما وتسرب إشعاعي في التربة والهواء ومياه البحر والمحاصيل الزراعية, الا ان آثار هذا الزلزال ستستمر لفترة طويلة.. ولمتابعة عواقب الزلزال قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتشكيل لجنة تقصي حقائق تضم مجموعة من الخبراء ستحقق في أسباب تداعيات الحادث وتدابير السلامة الأمنية التي اتخذتها اليابان بعدما ضربها الزلزال المدمر وموجات المد تسونامي. وقد أشرنا من قبل الي ان هذه الكارثة كانت سببا في إعادة النظر في إجراءات السلامة النووية التي تتخذها الدول حيال منشآتها النووية, ولكن الجديد في الامر ان تداعيات الازمة النووية تختلف من بلد الي اخر ولكنها جميعا تأخذ منحني سياسيا حيث تستخدم الاحزاب السياسية في اوروبا الكارثة النووية اليابانية لتحقيق بعض المكاسب السياسية او تفادي تراجع في شعبية البعض الآخر. فإذا نظرنا الي حزب الخضر النمساوي المعارض فقد كان علي الدوام معارضا للاعتماد علي الطاقة النووية وشن حملات مكثفة ضد المفاعلات النووية في الدول المجاورة للنمسا, واستغل الحزب الكارثة النووية التي عصفت باليابان لشن حملة جديدة ضد هذه الطاقة مركزا علي الاخطار المحدقة بالنمسا جراء وجود العديد من المفاعلات بالقرب من الحدود النمساوية. وطالب الحزب الحكومة النمساوية باتخاذ موقف واضح من هذه المفاعلات وبذلك استطاع ان ينال بعض التأييد من الشعب النمساوي. وفي بلد أخر كإيطاليا كانت الكارثة النووية فرصة جيدة لحكومة رئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكوني حيث اقترحت وقف مشروع تبني الطاقة النووية بعد انهيار محطة فوكوشيما والتسربات الاشعاعية في التربة ومياه البحر مما اعتبره البعض اقتراحا تكتيكيا لتفادي المواجهة مع الرأي العام الايطالي وعدم فقدان الكثير من شعبية الحكومة التي انخفضت كثيرا في الاونة الاخيرة بسبب ممارسات رئيس الوزراء. فإذا كانت الكارثة النووية قد حققت بعض المكاسب لبعض الاحزاب في بعض الدول الا ان الخسائر لا تعد ولا تحصي سواء لليابان او لكثير من الدول المحيطة بها بسبب التسربات الاشعاعية, وتحاول اليابان بشتي الطرق الخروج من هذا المأزق الصعب من خلال مرحلتين المرحلة الاولي تهدف الي السيطرة علي الاشعاعات المنبعثة من مفاعلات المحطة النووية واصلاح انظمة التبريد والحد من مستوي التسريب الاشعاعي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة والمرحلة الثانية تهدف الي السيطرة علي التسرب الاشعاعي والحد منه بشكل كبير خلال ستة اشهر كما انها تنوي وضع ساتر علي المفاعلات المتضررة لمنع الاشعاعات النووية من التسرب الي الهواء. وبرغم الجهود المبذولة من جانب الحكومة اليابانية فإنه مازالت هناك خطورة علي حياة الاشخاص حول محطة فوكوشيما في الوقت الراهن اذا ما أرادوا العودة الي منازلهم وهو ما يؤكد ان هذه الكارثة ليست مثل تشيرنوبل الذي خلف وراءه مناطق غير صالحة للعيش فيها حتي وقتنا هذا. كل ماسبق يتطلب اعطاء دور ومسئولية اكبر للوكالة فيما يتصل بالامان النووي وتعزيز الشفافية في تبادل المعلومات اثناء الحوادث النووية والتنسيق بشكل افضل بين الوكالة والمنظمات الدولية الاخري ذات العلاقة خاصة منظمة الصحة العالمية والاتفاق حول كيفية تمويل انشطة السلامة النووية في العالم بعد انخفاض الثقة بصناعة الطاقة النووية واستخدام المفاعلات النووية, لذا فإنه من الأفضل خلال هذه المرحلة- وإلي أن تتحقق معدلات الأمان النووي المطلوبة- تركيز الجهود علي تطوير مصادر الطاقة الأكثر نظافة والأكثر أمنا, مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة.