تتعامل ألمانيا حتي الآن مع مشكلة اللاجئين التونسيين الذين يتدفقون بالآلاف إلي جانب عدد محدود من المصريين وجنسيات أخري علي الحدود الجنوبية للاتحاد الاوروبي عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في البحر المتوسط باعتبارها مشكلة إيطالية علي الحكومة في روما أن تجد حلا لها. وترفض المانيا توزيع اللاجئين علي الدول الأوروبية أو تقديم مساعدات مالية إضافية لإيطاليا, ولا تتفهم برلين الشكوي الإيطالية من طوفان اللاجئين معتبرة أن إيطاليا تستطيع بسهولة إستيعاب26 الف لاجيء هبطوا حتي الآن علي شواطئ الجزيرة الصغيرة منذ إندلاع الثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا. كما لا تخلو تصريحات اي مسئول الماني من الإشارة إلي أن المانيا إستوعبت في التسعينات من القرن الماضي مئات الآلاف من لاجئي يوجوسلافيا وإستقبلت في العام الماضي وحده ستة اضعاف عدد اللاجئين الذين استقبلتهم إيطاليا. من هنا كان الإستياء الالماني كبيرا والفرنسي ايضا عندما قررت حكومة سيلفيو بيرلسكوني تحدي شركائها الأوروبيين والضغط عليهم بطريقة مبتكرة عبر تصدير مشكلة اللاجئين إليهم, فقامت السلطات الإيطالية بإصدار تصريحات إقامة مؤقتة للشباب العربي تتيح لهم السفر إلي بقية دول إتفاقية شنجن وفي مقدمتها فرنسا بل وإشترت لهم تذاكر القطارات التي تقلهم إلي الحدود الفرنسية. وبطبيعة الحال تسبب ذلك في إندلاع خلاف بين روما من جانب وباريس وبرلين من جانب آخر, وقامت فرنسا بإغلاق حدودها بشكل مؤقت مع إيطاليا قبل أن تفتحها من جديد في ظل تدقيق شديد مع المهاجرين الوافدين في حين هددت المانيا باتخاذ نفس الإجراء. غير أن برلسكوني وساركوزي سرعان ما قاما بتنحية خلافاتهما جانبا وإتخذا موقفا موحدا مطالبا بإجراء تعديلات علي معاهدة شينجن الخاصة بالتنقل الحر بين الدول الأوروبية, بحيث تتيح التعديلات فرض الرقابة من جديد علي الحدود الداخلية لدول الإتفاقية في حال مواجهة صعوبات استثنائية في ادارة الحدود الخارجية المشتركة. كما طالب الإثنان بتعزيز نشاط الوكالة الاوروبية لمراقبة الحدود( فرونتكس) وزيادة الدعم المقدم لدول شمال إفريقيا شريطة ان تساهم في الحد من تيار المهاجرين المتدفق منها بإتجاه اوروبا. إلا أن المانيا ترفض اي تعديل يمس حرية السفر والإنتقال بين الدول الخمس والعشرين الأعضاء في الإتفاقية التي تعتبرها أحد ابرز إنجازات الوحدة الأوروبية.وتري برلين أن الإتفاقية ببنودها الحالية تتيح بالفعل في ظروف إستئنائية للدول تشديد الرقابة علي حدودها الداخلية لمدة شهر بحد أقصي كما فعلت المانيا نفسها عندما نظمت قمة مجموعة الثماني قبل سنوات او عند تنظيم بطولات رياضية وفعاليات عالمية. وتؤيد المانيا فقط تبسيط الإجراءات وليس تعديل بنود الإتفاقية. وتتبني المفوضية الأوروبية نفس الموقف حيث تدرس علي سبيل المثال تحديد سقف محدد للاجئين في كل دولة يسمح لها في حالة تجاوزه بفرض رقابة علي حدودها الداخلية. غير أن موقف الحكومة الألمانية من قضية اللاجئين الوافدين من دول شمال إفريقيا يتعرض لانتقادات داخلية كثيرة في المانيا نفسها بعد ان رفضت برلين قدومهم إليها مكتفية باستقبال مائة لاجئ سياسي وصلوا إلي مالطا في خطوة رمزية لا أكثر. وشهد البوندستاج الألماني مناقشات كشفت عن تباين كبير في موقفي الإئتلاف الحاكم والمعارضة. فمن ناحية أكد وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش من الحزب المسيحي الاجتماعي- أن إستقبال لاجئي شمال إفريقيا يعني توجيه رسالة خاطئة لهم ولدولهم بأن اوروبا تتيح لهم افاقا رحبة في حين أن مشكلتهم لابد من حلها في بلادهم, فأغلبهم من اللاجئين الإقتصاديين الباحثين عن عمل. ويتلخص موقف الوزير وحزبه في أن المانيا لا يمكنها إقتسام رفاهيتها مع بقية دول العالم كما أنها تنفق سنويا مئات الملايين في سبيل إدماج مهاجرين أجانب في مجتمعها أتوا إليها نتيجة سياسة هجرة خاطئة, ولذا فمن الأفضل كما صرح سياسي محافظ بارز' أن يقضي مائة الف الماني عطلتهم في تونس علي سيبل المثال بدلا من ان تستقبل المانيا الف لاجئ تونسي'. أما أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الخضر والإشتراكيون فتري أن هناك تناقضا بين الوعود البراقة للسياسيين الألمان بدعم التحول الديمقراطي في دول كمصر وتونس, وبين سياسة فعلية تسعي مثلا في مشكلة اللاجئين لإغلاق حدود اوروبا امامهم. وإنتقد الخضر بالذات رفض الحكومة الألمانية تعديل قوانين اللجوء التي تنص علي ان دولة الإستقبال هي المسئولة عن البت في طلب اللجوء وليست اي دولة اخري يسافر إليها اللاجئ ويعتبر حزب اليسار أن رفض إستقبال اللاجئين من دول شمال إفريقيا وإعادتهم إلي بلاهم ليساهموا في نهضتها إنما هو مبرر واه, إذ أن هؤلاء سينضمون من جديد فورعودتهم لطابور العاطلين في بلادهم. ويطالب الإشتراكيون الحكومة الألمانية بمنح اللاجئين الشباب من تونس ومصر مثلا إقامة مؤقتة مع تدريبهم وتأهيلهم ثم تحفيزهم علي العودة لبلادهم من جديد مقابل دعم مالي او قروض صغيرة, وهوإقتراح ليس بجديد بل تقدمت به كاثرين اشتون نفسها ضمن خطة لإعادة صياغة سياسة الجوار الاوروبية. غير أن الجدل الدائر في المانيا حول السياسة الأمثل للتعامل مع المهاجرين الوافدين من شمال إفريقيا لن يستمر طويلا, فهذه المشكلة تعتبرها برلين خاصة بدول الإتحاد الجنوبية وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا, في حين تتجه أنظار الألمان الآن إلي الحدود الشرقية لبلادهم, حيث تسقط إعتبارا من اول مايو أخر القيود التي فرضتها المانيا لحماية سوق العمل فيها من دخول مواطني دول وسط وشرق أوروبا. ويتوقع الخبراء ان تستقبل المانيا خلال السنوات التسع القادمة قرابة مليونا ونصفا مليون وافد من دول شرق ووسط اوروبا مثل إستونيا, لاتفيا, ليتوانيا بولندا, سلوفاكيا, سلوفينيا, التشيك والمجر. فبعد سبع سنوات من إنضمام هذه الدول للإتحاد الأوروبي سيصبح من حق سكانها التمتع بنفس الحقوق والمزايا التي يتمتع بها الألمان في سوق العمل الألمانية. وهو تطور يثير مخاوف ملايين الألمان من أن يتسبب الوافدون الجدد في تدني الأجور وزيادة البطالة بين الألمان أنفسهم, في حين يري فيه خبراء الإقتصاد حلا يسد النقص في الأيدي العاملة في قطاعات مهنية عديدة في المانيا. وأمام تطور كهذا سيؤثر جذريا علي سوق العمل الألمانية يصبح من المنطقي ان يحظي المهاجرون الشرعيون القادمون من الشرق بالاهتمام الأكبر للحكومة الالمانية.