منذ سفر وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية إلي أوغندا لتلطيف الاجواء الملتهبة بين دولتي المصب ومؤيديها دولتي الكونغو وإريتريا من جانب واثيوبيا ودول المنابع الاستوائية الخمس الذين وقعوا معها علي الاتفاقية الانشقاقية الجديدة, من جانب آخر وهذا الوفد يقسو وبشدة ويتبني الإدانة الدائمة للموقف المصري, ويفخم ويبرر مواقف اثيوبيا وباقي دول المنابع ضد مصر, هذا الأمر الغريب والذي يدين موقف مصر علي طول الخط ويبرر موقف اثيوبيا وباقي دول الانشقاق وكأنه يتبني تماما هذه المواقف التي ليس لها ما يبررها بما يزيد من قوة المفاوض الاثيوبي, ويضعف من قوة المفاوض المصري. وعلي النقيض تماما من هذا الموقف نجد ان جميع قوي المعارضة الاثيوبية تتبني الموقف المصري وتهاجم موقف رئيس الوزراء مليس زيناوي وتتهمه بأنه يسعي للحرب مع مصر, ويهدد الأمن القومي الاثيوبي بتهديده للأمن القومي المصري وسيطرته علي مياه النيل الأزرق شريان الحياة لأكثر من ثمانين مليون مصري! وللسادة أعضاء الدبلوماسية الشعبية نذكر بأن الاتفاقية الجديدة التي وقعتها وقادتها اثيوبيا, ومعها أوغندا وكينيا وتنزانيا ورواند وبروندي تنص في أول بنودها علي حرية بناء السدود علي النيلين الأزرق والأبيض, وجميع روافدهما دون الرجوع إلي مصر أو أخذ موافقتها سواء كانت هذه السدود لتوليد الكهرباء أو لحجز المياه وري واستصلاح أراض زراعية جديدة, وبالتالي إلغاء حق الفيتو المصري في المعاهدات المودعة لدي البنك الدولي. حق الفيتو هذا لو كان من المنطق والعدل أن يمنح لدولة واحدة فقط في العالم لمنح إلي مصر وبدون تردد في حقها في مياه نهر النيل! لأن إقامة هذه السدود بعيدا عن الموقف المصري يعني تعمد الإبادة الجماعية لشعب بأكمله من دول تمتلك وفرة مائية كبيرة, ولا تستخدم أكثر من02 03% فقط مما تمتلكه, فما بالك وحق الفيتو هذا قد منح عالميا لسبع دول أخري لاتتهدد حياة شعوبها بالفناء ولا بالإبادة الجماعية؟! البند الثاني والذي أرجو أن يتفهمه وفد الدبلوماسية الشعبية الأوغندية أو الاثيوبية وليست المصرية هو موقف مصر من محاولة تخطي هذه العقبة وإقامة السدود دون موافقتها, حيث ينص علي الاعتراف بالأمن المائي المصري والسوداني كدولتي مصب فقيرتين في الأمطار والموارد المائية الداخلية المتجددة, وهو ما رفضته تماما جميع الدول الموقعة بالتأكيد علي انه لايوجد حق ولا أمن لمصر من مياه المنابع!! واستبدلوه بمبدأ حق الاستخدامات والذي يمكن ان يفسروه كما يشاءون. فعندما يخصم من مصر علي سبيل المثال عشرون مليارا من الأمتار المكعبة من المياه العذبة وتحتج مصر علي هذا فيكون ردهم بأن الأرقام الرسمية المصرية تشير إلي وجود فاقد, في مياه الري المصرية عبر شبكات الترع المتشعبة والطويلة بمثل هذا الكم الذي خصم من حصة مصر وبالتالي فعلي مصر أن توقف هذا الاهدار فتكون بذلك قد تسلمت حقها المائي!! ثم بعد ذلك سيستخدمون الاهدار في السيفونات والحنفيات التالفة وغيره من المسائل التي تهدد الأمن المائي المصري, رافضين تماما الاعتراف بأن حصة مصر من المياه يجب الا تقل عن55,5 مليار متر مكعب سنويا, وان هذا الاهدار طبيعي ويحدث في جميع شبكات الري في العالم, وهو من حصة مصر الفعلية, وليس مضافا اليها أو مخصوما من حصة أي دولة من دول المنابع!! يأتي هذا في الوقت الذي تبلغ فيه حصة اثيوبيا من المياه ضعفين ونصف حصة مصر, حيث تبلغ321 مليار متر مكعب سنويا, ولا احد يحاسبها علي الاهدار الداخلي, وتبلغ حصة تنزانيا التي تقل مساحتها بمقدار01% عن مساحة مصر19 مليار متر مكعب سنويا, وتبلغ حصة كينيا التي تبلغ مساحتها04% من مساحة مصر03 مليار متر مكعب, وتبلغ حصة أوغندا والتي تقل مساحتها عن ربع مساحة مصر66 مليار متر مكعب سنويا وبداخلها اهدار للمياه حول بحيرة كيوجا فقط يتجاوز03 مليار متر مكعب سنويا طبقا لتقديرات الأمم المتحدة!! فلا أحد يتفهم من هذه الدول ولا للأسف من أعضاء وفد الدبلوماسية الشعبية بأنهم اذا كانوا يريدون بناء سدود لتوليد الكهرباء, فلا مانع لدينا طالما تعهدوا بأن يصل إلي مصر والسودان حصتهما كاملة بمقدار48 مليار متر مكعب سنويا, ولكنهم يرفضون تماما هذا المطلب بما يوضح نيتهم في الغدر بمصر رافعين شعار ما يلزم البيت يحرم علي الجامع!! وفي نفس الإطار تخطط اثيوبيا لبناء41 سدا متتاليا علي الروافد ومنها نهر عطبرة ورافده تاكيزي, وأربعة منها علي النيل الأزرق لتقوم بتصدير الكهرباء إلي جميع دول القارة الإفريقية وليس لاكتفائها الذاتي فقط, ثم تجد من المصريين من يدافع عن هذا الموقف!! وتجد من اشقائنا العرب الخليجيين الذين تربطنا معهم اتفاقيات دفاع مشتركة عن كل ما يهدد أمننا القومي هرولة للاستثمار في هذه الدول دون اعتبار لتهديد الاشقاء للأمن القومي لشقيقتهم مصر ولا تطرح الجامعة العربية الموضوع علي اجندتها للطرح في اجتماعها المقبل!! هل يعلم السادة اعضاء الدبلوماسية الشعبية المتحاملون علي الموقف المصري ان الاستثمارات المصرية في اثيوبيا قد تجاوزت2 مليار دولار أي21 مليار جنيه مصري! وكلما زادت الاستثمارات المصرية في اثيوبيا زاد تعنتهم ضدنا, ولم يثنهم الأمر قيد أنملة بتقديم بادرة محبة أو توافق مع الشعب المصري!! فهل يمكن ان نقول ان الرئيس السادات كان محقا حين قال ان الحرب القادمة في المنطقة ستكون حرب مياه!! هذه الامور المهمة يجب ان تكون واضحة قبل زيارة السيد رئيس الوزراء إلي اثيوبيا, والذي نرجو فيه أن ينجح في ازالة فتيل الحرب, وان يدافع باستماتة عن الحقوق المصرية في مياه النيل وأمنها المائي. المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد