.ثمة مبادرة تطوعية شبابية قام بها فريق من شباب25 يناير بزيارة عدد من دول حوض النيل, وتكتسب الزيارة أهمية تاريخية ومستقبلية في مقدمتها إدراك شباب مصر وهم أصحاب ثورة غير مسبوقة في تاريخنا, أهمية الالتحام والتواصل مع مجموعة الدول النيلية. التي تشكل علي أرض الواقع دائرة الانتماء الرابعة مع الدوائر الثلاث التي أحدثتها ونادت بها ثورة23 يوليو1952 وهي الدائرة العربية, الدائرة الافريقية, الدائرة الاسلامية. ومع إضافة دائرة وادي النيل بمبادرة شباب مصر فإن الدوائر الأربع متلاحمة ومتداخلة ولا يمكن الفصل فيما بينها أو تقديم دائرة عن أخري من منطلق تلاحمها وتداخلها أرضا وبشرا وتاريخا وحضارة. ولا غرو أن تكون مصر.. حضارة وتاريخا وشعبا هي الشقيقة الكبري لكل الدول العشر, فمصر هي أرض العمران الأول علي امتداد وادي النيل, كما ينطوي الدور المصري في مضامينه وعناصره علي ابعاد متعددة سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية وحضارية يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط: 1 ان حضارة مصر الزراعية أساسا قامت علي مياه وتربة نهر النيل القادم من أعماق القارة الافريقية فهو( حابي) حامل الحياة والنماء لمصر الكنانة. 2 امتداد المؤثرات الحضارية المصرية بصفة اساسية نحو الجنوب, فكانت مملكتا كوش وأكوم ذات ملامح مصرية أصيلة نتيجة للتأثيرات الحضارية المصرية خلال فترات ممتدة من الزمن. 3 يعد الاتجاه الجنوبي لمصر اتجاها استراتيجيا حيث تعتبر مناطق الجنوب بمثابة الأمن القومي لمصر, والامتداد الطبيعي لها أو المجال الحيوي بمعناه الحضاري ولا عجب أن يتواصل التأثير المصري القديم الي وسط القارة وجنوبها وشرقها وغربها. {{{ ولعل مبادرة شبابنا بزيارة عدد من دول حوض النيل تدفع الي شد المزيد من الرحال والترحال لكل أجيال مصر لوادي النيل في رحلات موسمية بين حين آخر مع تدارك القصور الإعلامي والتعليمي والثقافي بشأن معرفة ألف باء مصادر الحياة علي أرض مصر والدوائر الحيوية التي تحيا في إطارها وفي مقدمتها الدائرة النيلية في عمق القارة الافريقية. وإذا كانت افريقيا تستحوذ علي مجموعات نهرية كبري نحو56 نهرا, فإن نهر النيل العظيم يأتي في مقدمتها ومعه انهار زائير, النيجر, السنغال, الزامبيزي الخ, ومن هنا فإن اهتماماتنا يجب ألا تقتصر علي نهر النيل وحده نظرا لدور مصر الريادي علي المستوي الافريقي من ناحية وتحقيقا لمصالح حيوية تربطنا بأنهار أخري منها نهر زائير سادس أطول انهار العالم437 م2 وأكبرها في امكانات الطاقة الكهرومائية التي يجري الحصول عليها عند نهر انجا, ومصر هي همزة الوصل في هذه الشبكة الكهربائية التي تربط إفريقيا بكل من المشرق العربي والمغرب العربي وأوروبا. {{{ وأكثر من هذا فإن مسألة الحياة الافريقية كلها قد ارتبطت بما يعرف ب( اعلان القاهرة للمياه الافريقية) الصادر عن الندوة الدولية لسياسات تكنولوجيا المياه في القارة72( يونيو)0991, ويعتبر هذا الاعلان أهم وسيلة اضافية لتنمية التعاون بين الدول الافريقية بروح الاعتماد الجماعي علي الذات, ومثل هذا التعاون أكدته اتفاقية الجماعة الاقتصادية الافريقية التي دخلت مجال التنمية في ربيع عام1994 هكذا نجد انفسنا كدولة مصب النيل أكبر أنهار افريقيا معنيين بمياه النيل ومياه وانهار افريقيا ككل. ولسوف يظل هاجسنا الأول هو تأمين حقوقنا التاريخية والقانونية من مياه النيل وتنمية موارد مياه النهر ككل بالتعاون مع الدول التسع الاخري, ويساعدنا علي هذا طبيعة النهر الدولية ووحدته الهيدرولوجية التي تحتم تنسيق العدل في تنمية موارده من منبعه الي مصبه. وإذا كان التنظيم الاتفاقي لمياه نهر النيل قد بدأ منذ عام بين الدول الاستعمارية التي تحكمت في دول حوض النيل فان مبادرة مصر والسودان بتوقيع اتفاقية1959 قد جاءت كخطوة عملية تنظيمية في ميدان التعاون المشترك في استغلال مياه النيل بعد استقلال السودان, ويتواصل تبادل المصالح في المنافع بين مصر والسودان بفضل حسن النية والخبرة الواسعة الي نتائج باهرة ومهمة بالنسبة للبلدين, ويكفي الاشارة الي مشروع قناة جونجلي في مسقط السدود والمستنقعات في بحر الجبل وذلك بهدف اجتذاب مياه النيل والعمل علي زيادة سرعة مجراه في هذه المنطقة لمنع أو تخفيض خسارة المياه بطريقة البخر في المستنقعات الراكدة, كما يحقق نحو خمسة مليارات متر مكعب من المياه اقتسامها مناصفة. وأخيرا.. فإن مصر من بين الدول العشر لحوض النيل هي أكثرها حماسا للعمل المشترك من أجل تنمية مصادر مياه النيل لاعتبارات كثيرة في مقدمتها أن مصر دولة المصب والنيل مصدر الحياة الوحيد لها. المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى