يعج الفضاء الآن بما لا يحصي من القنوات الفضائية ومواقع الاتصال والتواصل الإلكترونية- المرئي والمسموع والمقروء منها علي حد سواء. ذات الصيغة الدينية والعقائدية التي تشمل كافة الملل والنحل, ويهمنا من بين ذلك كله القنوات الفضائية المتشحة بثوب الإسلام, إن المتابع للمتاح من هذه القنوات تصدمه توجهاتها ذات الرؤي المحدودة والأفكار المتعلقة التي تروج بضاعة كاسدة فات أوانها ومضي زمانها, إن هذه القنوات في معظمها لا تهدف إلي تبصيرنا بصحيح الإسلام, وما يحمله من وسطية وسماحة واعتدال وعدل وعالمية وسعة وتقبل للبشرية كلها, ولكنها تحملنا حملا إلي ماض سحيق سادت فيه تيارات فكرية تتصف بالانغلاق وكثرة الخلاف والاختلاف والتشدد والأخذ بالظاهر وإنكار التأويل القائم علي اعمال العقل وترجيح المصلحة. إن هذه القنوات في مجملها تدعو وتؤصل إلي صب الحاضر والمستقبل في قوالب الماضي التي صنعها السلف الصالح في ظروف غير ظروفنا وواقع غير واقعنا وأحوال غير أحوالنا.. وهي إن وافقت زمانهم لم تعد مناسبة لزماننا بكل متغيراته ومعطياته, إن هذا لا يعني بحال أن ندعو إلي تطويع الإسلام للعصر وجعله عجينة لينة قابلة للتشكيل في أي صورة ولكننا ندعو إلي تطويع العصر للإسلام في إطار منضبط من الفقه والتيسير. لقد هالنا وأزعجنا كمشاهدين للمتاح من هذه القنوات ان تخوض بنا في خلافات جزئية وصراعات مذهبية وتحشرنا في زاوية حادة مظلمة يخرج من بطونها جذور التعصب الأعمي, الذي أودي بنا إلي ما نحن فيه الآن من هدم للأضرحة وترويع للناس جميعا المسلمين منهم وغير المسلمين. إن إشاعة فكر الغلو والتطرف والتنطع التي تسود فضاء اليوم تدعونا جميعا إلي التصدي المتعقل لتصحيح ما تراكم من أخطاء وما تداعي من مشكلات. إن خط الدفاع الأمثل والأول في نظري.. ونظر الكثيرين هو أن تقوم مؤسسة الأزهر الشريف بالشروع العاجل في إطلاق قناة فضائية باسم الأزهر وأقترح أن يكون اسمها الأزهر, إن الأزهر بماله من رصيد كبير في ربوع العالم الإسلامي بوصفه منبر الإسلام الوسطي ومنارة الاعتدال والتسامح علي مر التاريخ, هو المسئول والمرشح الأول والأولي بالدفاع عن صحيح الإسلام عقيدة وشريعة من خلال هذه القناة. نريدها قناة تنأي بنا عن الخلافات الجزئية وتقدم لنا شريعة الإسلام الصافية بمعناها الواسع والتي لا تنحصر في مذهب بعينه ولا فرقة بذاتها تقوم علي التيسير لا التعسير والاعتدال لا التطرف تحترم اجتهاد السلف وتزنه بميزان العصر. فلسنا في عصرنا هذا ملزمين بأخذ كل ما سلف ولكن بإعادة النظر فيه علي أساس اجتهاد عصري سليم, فالفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف. نريدها قناة تخاطب الناس جميعا لتحقيق عالمية الإسلام, فالقرآن الكريم يخاطب الإنسان والناس وبني آدم وأهل الكتاب وغير ذلك. نريدها قناة يستقي المشاهد منها رحيق الاسلام الحنيف الذي جعلنا الله سبحانه به خير أمة أخرجت للناس, الوسطية أهم سماتها والدعوة بالحسني( أو بالاحسن) أسمي سبلها والتيسير منهاجها والتسامح والتراحم والعدل والحرية من أجل مبادئها وقيمها.إن الدعوة إلي الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال هذه القناة هي أهم أعمدة جهاد الطلب في هذا العصر حيث عن طريقها يصل صوت صحيح الإسلام الي كل بيت وهذا لب المقصود. فلنبدأ بقناة عربية اللغة أولا ثم نتبعها لاحقا بقنوات متعددة اللغات. أسأل الله أن يلقي هذا الطلب قبولا عند فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حيث صار الأمر فريضة وضرورة, فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع في عصرنا الذي نعيش فيه, وإذا لم يكن في حوزة الأزهر من المال ما يكفي, فهناك فتاوي تجيز صرف بعض أموال الزكاة في هذا المجال النافع والمؤثر في نصرة الإسلام وتصحيح مفاهيمه لدي الناس. أستاذ غير متفرغ بجامعة أسيوط