بدون أدني شك, وبلا أي مبالغة, تكتب مصر لنفسها وللمنطقة في هذه الأيام تاريخا جديدا, ولا يتوقف الأمر عند مجرد أن مصر لأول مرة في تاريخها أصبحت قادرة علي محاكمة الرئيس إن هو أخطأ.. لا.. إن الأمر الأهم هو أن شعب مصر استطاع في25 يناير إسقاط ثلاث أساطير: الأولي أسطورة أن الرئيس من طينة أخري غير طينة بقية الناس, الآن.. ثبت أنه واحد منهم, يجري عليه ما يجري عليهم, ويصيبهم ما يصيبه.. وللحق, فإننا كمصريين كنا نقول ونردد ونغني كثيرا أنه واحد منا, لكن ذلك كان مجرد شعار لم يدخل أبدا حيز التنفيذ, إلا أنه الآن والحمد لله لم يعد مجرد كلام في الهواء, بل يتم تطبيقه. وأما الأسطورة الثانية التي سقطت فهي أن مصر ليست أبدا بلدا للقانون, وأن القانون فيها مجرد أكليشهات, مكتوبة فقط في كتب طلاب كليات الحقوق, لكنها عندما يأتي أوان التطبيق تتحول إلي تدليس وألاعيب, فإذا بالقوي هو من يأخذ الخير كله, وللفقير قارعة الطريق. الآن سقط هذا الميراث اللعين, وها هو القانون يأخذ مجراه, وها هو كبير الأكابر ستتم محاكمته هو ومن معه, فلا أحد بعد اليوم منزه أو فوق القانون! وتبقي الأسطورة الثالثة التي سقطت, أن مصر سوف تظل إلي الأبد بلدا متخلفا, وأنه لا أمل فيها وما فيش فايدة!. لقد سقط هذا التصور المتشائم الآن, وها هي مصر تنهض لتصبح بلدا متقدما متطورا يساير العصر, وكيف سيتم ذلك يا تري؟ بتحقيق العدالة, لأن العدالة توجد الأمل في النفوس, وتشحذ الهمم, وتبعث الروح من جديد. وهل ثمة دليل أفصح أو أوضح من أن نري رئيسنا, الذي غنينا له ثلاثين سنة, تتم محاكمته؟ إن مصر عودت الدنيا علي النهوض المستمر كلما تعثرت أو وقعت, وها هي الآن تنهض, ويبقي أن نساعدها نحن أبناؤها علي استكمال النهوض, وكيف؟ بألا ننظر إلي الوراء.. بل إلي الأمام, إلي البناء والإنجاز والعمل.. فهل نفعل؟