في ظل التحضير للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة المقرر لها 2012 ثمة مفاجئات تُطرح علي الساحة بفرنسا من شأنها ان تعصف بمستقبل الرئيس نيكولا ساركوزي.فبعد ان مُني الحزب اليميني الحاكم مؤخرا بهزيمة فادحة في انتخابات المجالس المحلية عاني اعضاء الحزب من انقسامات قد تكون الأولي من نوعها في تاريخه. حيث وجه الفرنسيون للرئيس وحزبه ضربة قويه تجلت بوضوح في النتيجة الصادمة ليس فقط بصعود اليسار الاشتراكي وفوزه ب 35% من الاصوات في هذه الانتخابات وحصول اليمين الحاكم علي 19% من أصوات الناخبين بل جاءت الكارثة بصعود حزب"الجبهة الوطنية"اليميني المتطرف الي المرتبة الثالثة بعد حزب ساركوزي بنيله 11% من اصوات الناخبين. والواضح ان هذه الرسالة كشفت النقاب عن التصدع البين القائم بداخل الحزب الحاكم بعد ان كان من اقوي الاحزاب تنظيما وصلابة. بل زادت التأكيد علي توقعات استطلاعات الرأي(مؤخرا) المشيرة الي خسارة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مقابل صعود زعيمة"الجبهة الوطنية"لليمين المتطرف"مارين لوبن".وتوقع الاستطلاع أن الزعيمة المتطرفة ستتصدر الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2012 بتفوقها على الرئيس نيكولا ساركوزي والمرشحة الاشتراكية"مارتين أوبري"لتكون المرة الاولي التي يتوقع فيها استطلاع للرأي ان تنتقل رئيسة الجبهة الوطنية التي خلفت والدها"جون ماري لوبن"-مؤخرا-على راس الحزب الى الدورة الثانية من الانتخابات في مواجهة نيكولا ساركوزي. وهو الامر الذي يتحسب له اليمين كاليسار توجسا من تكرار سيناريو انتخابات 21 ابريل 2002 حيث خرج الاشتراكي "ليونيل جوسبان"من السباق في الدورة الاولى فيما تواجه الرئيس-انذاك-"جاك شيراك"مع"جون ماري لوبن"في الدورة الثانية. وربما جاءت المفاجئة المدوية بانفصال الحزب الراديكالي بزعامة جون لوي بورلو وزير الطاقة والبئية السابق واستقطابه لكوادر حزب الخضر وبعض الاشتراكيين لتكون كالقشة التي قسمت ظهر البعير ذلك لانه بتكون بورلو لهذا الائتلاف الحزبي يصاب الحزب الحاكم في مقتل ليس فقط بتفتيت أواصره انما بإعلانه عن ترشيحه لخوض انتخابات الرئاسية. هذا بالإضافة الي ما باحت به –في فترة سالفة- نتيجة الاستطلاعات التي اشارت الي ان 57% من الفرنسيين يرغبون في ترشيح فرنسوا فيون عن اليمين الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حين لم يحصل ساركوزي سوي علي دعم 54% من الاصوات الراغبة في ترشيحه. وفي محاولة لفهم المبررات الداعية الي هذا الانهيار المستمر لشعبية الرئيس ساركوزي منذ فترة لابأس بها نجد ان هناك حزمة من المشاكل تعاني منها البلاد علي المستويين الداخلي والخارجي ومن الواضح ان مبادرة ساركوزي الخارجية لإنقاذ الشعب الليبي من انتهاكات القذافي -كما هو المعلن من التدخل العسكري لتنفيذ قرار مجلس الامن 1973-زادت البلة طين.وان كان المراقبون يضعونها في مقدمة حافلة الانهيار نظرا لضلوعه في إقحام فرنسا في حرب جديدة غير معلومة الملامح في ليبيا وهو ما يؤجج من غضب الفرنسيين الرافضين الخوض في حروب إضافية بل طالما طالبوا بسحب القوات المشاركة مع الحلف في أفغانستان والعراق.وهو ايضا ما جعل زعيمة الجبهة الوطنية المتشددة مارين لوبن تنتهز الفرصة وتوجه ضربة قوية للرئيس ساركوزي بانتقادها قرار فرنسا بالاعتراف بشرعية المجلس الوطني الإنتقالي موجه الدعوة للدول العربية لاتخاذ التدابير اللازمة لنزع فتيل الأزمة في ليبيا،لتضرب بذلك عصفورين بحجر فهي تبين للفرنسيين ان همها الاكبر هو عدم وقوع كارثة في ليبيا تؤدي بشأنها لمزيد من توافد المهاجرين علي ايطاليا وبالتالي الي الحدود الفرنسية -وهي قضية فشلت سياسية فرنسا في التعامل معها او الحد من الهجرة غير الشرعية-..اما الامر الاخر فيتجلي في وقوفها بجوار الفرنسيين الرافضين للتورط العسكري.بل جاءت تصريحات لوبن ابنة جون ماري لوبن المعروف عنه عداءه للمهاجرين والمسلمين قبيل الانتخابات بفترة وجيزة حول قضية التعامل مع بيوت العبادة وصلاة المسلمين-يوم الجمعة-في الشوارع لتصب الزيت علي النار حيث انتقادها لسياسة الدولة بالسماح للمسلمين بالصلاة في الشوارع مصنفه اياه بالاحتلال النازي ومنتقدة تبني الدولة بناء مساجد في بلد اعتمد العلمانية.ومما لاشك فيه ان هذه الجزئية هي التي رجحت من كفت مارين في الانتخابات المحلية نظرا لامتعاض غير المسلمين من هذه الظاهرة التي بدت تؤرق الغالبية من الفرنسيين بصفة عامة. وعلي نفس الصعيد يرجئ البعض من المحللين تراجع الحزب الحاكم في الانتخابات إلى الخوف من التطرف الإسلامي، وارتفاع عدد المسلمين المتشددين ، بل يربط البعض بين تصاعد قوة اليمين المتطرف وبين عوامل التباطؤ الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، الذي قاد عدداً من الفرنسيين إلى الانكفاء والالتصاق باليمين المتطرف وشعاراته. والواقع ان المواطن العادي لا يعنيه السياسية الخارجية بقدر ما يهمه شأن حياته اليومية فهو يحتاج الي فرص عمل ومستوي معيشة أفضل وقد فاض به الكيل في ظل انتظار الإصلاح الموعود منذ ان صدق برنامج ساركوزي الانتخابي واختياره لرئاسة الاليزيه في 2007 وفي مقابل هذا الانتظار فاحت قضايا فساد في صفوف وزراء واتباع ساركوزي فاقت الحدود نذكر ببعضها..فضيحة وزير العمل السابق ايريك فيرت المعروفة ببيتنكور- فيرت ومؤخرا فضيحة وزيرة الخارجية ميشيل اليو ماري والصفقة المشهورة مع رجل الاعمال التونسي عزيز ميلاد وهي التي أطاحت بها من الدبلوماسية الفرنسية.. بخلاف العديد من قضايا تضارب للمصالح واستغلال للسلطة ضلع فيها مسئولون من المقربين لساركوزي. هذا وغيره من الأخطاء خلقت تحركات غير معلنه في كواليس الحزب الحاكم ذاته تجهز للبديل المفترض له خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة محل نيكولا ساركوزي. في حين يري البعض الاخر ان رياح التغير بدأت تهب علي فرنسا وان الفرنسيين سئموا سياسة اليمين بعد حقبة دامت 16 عاما -متتالية-تقريبا منذ الحقبة الاولي لرئاسة جاك شيراك 1995 طامحين ان ياتي الاشتراكين او غيرهم بما عجز عن تحقيقه اليمين وهو ما اشارت اليه مارين لوبن في احد تصرحاتها بان الظروف ملائمة بين انهيار النظامين في مصر وتونس وبين "رغبة الفرنسيين في التغيير" . وربما تنتقل عدوي المفاجئات التي يشهدها العالم الي فرنسا بزلزل يفجر التجدر السياسي بالمجتمع ويطيح بالحزبين الرئيسيين اللذان تبادلا الحقب الرئاسية طوال فترة الجمهورية من الاشتراكية والراسمالية واليمينية لتاتي رياح التغير بزعيمة الجبهة الوطنية المتشددة او الائتلاف الجديد الي رئاسة الاليزيه لتكون المرة الاولي في تاريخ فرنسا.