ثورة25 يناير تفتح, بطبيعة منطلقاتها ومقاصدها, آفاق المستقبل رحبة أمام أمنيات الشعب وطموحاته المشروعة التي تلاعب بها النظام السابق. ولذلك تدنت الأحوال المعيشية للغالبية الساحقة من أبناء الشعب. وسط تدهور الخدمات الأساسية, وخاصة في التعليم والرعاية الصحية والإسكان والمواصلات.وبلغ تحالف الاستبداد والفساد الذي حكم مصر في خلال العقود الأخيرة أوج جموحه الإجرامي في مسألة حيوية بالنسبة للحياة المعيشية للشعب, وهي المسألة الزراعية. فتم إهمال التنمية الزراعية, والثروة الحيوانية, وهو ما أدي إلي أزمات غذائية متلاحقة, واقترن بذلك غلاء الأسعار. ولم يهتم النظام السابق بإنذارات عالمية كانت تؤكد منذ عام2006 أن عصر المواد الغذائية الرخيصة قد انتهي, وأن المهمة العاجلة الملقاة علي عاتق الدول والحكومات هي الاهتمام بالتنمية الزراعية والثروة الحيوانية, فيما أطلق عليه الخبراء الثورة الخضراء الثانية. لكن مصر, ما قبل ثورة يناير, كان أقطاب نظامها السابق الممثل لتحالف الاستبداد والفساد منخرطين في سباق جهنمي لتضييق الخناق علي الرقعة الزراعية بسبب التجريف وأعمال البناء المخالف عليها, وهو ما أدي إلي تناقصها تناقصا مروعا, ناهيك عن المتاجرة والتربح من الأراضي, وهو ملف يكشف, جرائم مروعة في حق الوطن. وفي ذات الوقت, تعرض الفلاحون عماد التنمية الزراعية والثروة الحيوانية إلي إجراءات ظالمة, ووقعوا فريسة بين سياسات الحكومة, وجشع التجار الذين يشترون المحاصيل الزراعية. ونظرا لعدم اهتمام الحكومات السابقة بتطوير الزراعة فلم يتم تيسير السبل لتوفير الآلات اللازمة للزراعة الحديثة, ومن ثم كانت تنخفض الإنتاجية الزراعية, إذا ما قورنت بدول عديدة أخري. وهذه مجرد مؤشرات علي أزمة الزراعة, وهي أزمة يفطن الخبراء في مصر إلي عمقها وأبعادها, ويطرحون حلولا علمية لامكان المبادرة بحلها وصولا إلي تحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري فعلا لا شعارا مراوغا.. وإذا كنا في هذه الفترة الانتقالية معنيين بالتصدي لقضايا ملحة وعاجلة, حيث نؤسس للحياة الديمقراطية والبرلمانية المنشودة, فإن هذا ينبغي ألا يحول دون تكليف الخبراء بدراسة المشكلات الأساسية التي يؤدي التوصل إلي حلول علمية لصناعة المستقبل.