دراسات جديدة صادرة من جهات دولية وعربية تضمنت العديد من الأرقام المتعلقة بمصر وأمنها القومي والغذائي ومستقبل استقرارها ينبغي التعامل معها بجدية فائقة وتحليلها جيدا. أول هذه الأرقام تتعلق بإنتاجية العامل الزراعي طبقا للتقرير الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية عام2010. وتشير إلي أن إنتاجية العامل الزراعي في مصر أقل قليلا من500 دولار في السنة ترتفع في سوريا إلي1200 وتصل في السعودية إلي5500 في حين تبلغ23 ألف دولار في كل من الولاياتالمتحدة وهولندا, وذلك علي الرغم من الإنتاجية المرتفعة للفدان في مصر والمتفوقة عن مثيلاتها في جميع الدول العربية وحتي الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها, تحليل هذه الأرقام يشير إلي أن الزراعة في مصر رغم تفوقها في الإنتاجية إلا أنها مازالت بدائية وتعتمد علي العمالة الزراعية أكثر من اعتمادها علي الميكنة والتكنولوجيا الزراعية, ثاني الأرقام المهمة والموثقة من جميع المصادر ديموجرافية المعتمدة عالميا والمتخصصة في الزيادة السكانية والإنتاجية العالمية من مختلف صنوف الغذاء وهي تتعلق بمستقبل عدد السكان في بعض دول حوض النيل والتي تصل فيها معدلات الزيادة السكانية إلي3.5% في حين لا تتجاوز1.7% في مصر, ولأن أثيوبيا هي الدولة الأهم والتي يصل إلينا منها نحو86% من حصتنا من مياه النيل عبر النيل الأزرق ونهر عطبرة فإن عدد السكان بها سوف يصل إلي278 مليون نسمة عام2050 بالمقارنة بنحو84 مليون نسمة حاليا أي بعد أقل من أربعين عاما فقط بالمثل أيضا, كما سيصل عدد السكان في دولة الكونغو الديمقراطية أكبر دول منابع الهضاب الإستوائية الست إلي190 مليون نسمة والتي يصلنا من دولها نحو14% من حصتنا في مياه النيل عبر النيل الأبيض, في حين لن يتجاوز عدد سكان مصر نحو130 مليون نسمة فقط, ولأن أمور المياه والموارد الزراعية تختلف عن أمور التسليح والحروب, وبالتالي فإن عدد السكان يمثل أهمية بالغة في الضغط علي الموارد المائية في حين تمثل تكنولوجيا التسليح( بعيدا عن أعداد البشر) الأهمية الأكبر عند الحديث عن الحروب, هذه الأرقام توضح اعتبارين غاية في الأهمية, أولها هو مدي الضغط المستقبلي علي مياه النيل واستنزافها في المنابع الإثيوبية والإستوائية وبالتالي احتمال كبير لحدوث نقص كبير في كميات المياه التي تصل إلينا, ثاني الأمور يتعلق بنوعية مستقبل مياه النهر بعد هذه الزيادة السكانية في مثل هذه الدول وما يمكن أن يحدث بها من تلوث كبير ويكفي الإشارة إلي حجم التلوث الحادث الآن في بحيرة فيكتوريا كبري البحيرات الاستوائية والتي وصلت إلي حد يتطلب تدخل المنظمات الدولية لإيقاف هذا التلوث والتعامل معه, كان يعزينا في هذا الأمر أن14% فقط تصل إلينا من مثل هذه النوعية من المياه تزول آثارها بعد التلاقي مع86% من المياه النقية التي تصل إلينا من الهضاب الإثيوبية, ولكن يبدو أن أمر نوعية المياه في المنابع الإثيوبية يمكن ألا يستمر بمثل هذا النقاء تحت ضغط الزيادة السكانية الكبيرة وبدائية الصرف الصحي والزراعي وضخها إلي الموارد الطبيعية والمياه العذبة, هذا الأمر يجب النظر إليه بعناية كبيرة قد تتطلب المشاركة في توفير الشروط والدراسات البيئية في إثيوبيا لتوفير الحماية لمنابع النهر بتحديث وإقامة شبكات آمنة للصرف الصحي وأخري للصرف الزراعي بقروض ومنح دولية ومصرية وبمشاركة كاملة من الخبراء المصريين, كما لا ينبغي لنا إهمال هذا الأمر في دول المنابع الإستوائية الست لأعالي النيل الأبيض. المجموعة الثالثة من الأرقام ترتبط بحجم الصادرات المصرية طبقا أيضا لتقرير هذا العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية عن حجم الصادرات الزراعية لسنوات خمس منقضية, فعلي حين لم يتجاوز إجمالي صادرات مصر الزراعية2.6 مليار دولار والصادرات الغذائية2.4 مليار دولار بإجمالي للصادرات الزراعية والغذائية معا لم يتجاوز5 مليارات دولار, وفي المقابل وصلت صادرات المملكة العربية السعودية( وهي دولة غير زراعية) من الصادرات الزراعية إلي6 مليارات دولار كما بلغت صادرتها من الغذاء5.5 مليار دولار! بإجمالي11.5 مليار أي أكثر من ضعف رقم تصدير الحاصلات الزراعية والغذائية لمصر الدولة الأعرق في الزراعة, والأغرب أن إجمالي الصادرات الزراعية والغذائية من دولة الإمارات العربية المتحدة قد تتساوي مع حجم الصادرات المصرية بينما تفوقت علينا جمهورية الجزائر في إجمالي الصادرات الزراعية والغذائية!!.. ويلاحظ أن الدول الثلاث من السابقة السعودية والإماراتوالجزائر هي دول صحراوية, هذه المجموعات الثلاث من الأرقام ينبغي أن نتوقف عندها كثيرا ونعيد حساباتنا من أدائنا ونظرتنا المستقبلية كما ينبغي أن تكون للدراسات المستقبلية. المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد