شاهدت لك هذا الأسبوع مسرحية البيت النفادي والنفادي هنا هو اسم حارة أو زقاق يحمل هذا الاسم الذي يعيش فيه مجموعة من قاع قاع المدينة. الأم التي ترسل ابنتها للتسول من خلال بيع المناديل الورقية والثري الحرامي الذي خرج من هذه البيئة ليفاخر بثرائه ومنه أو من خلاله يشعر أن له كل الحق في عمل أي شيء مهما كان منافيا للأخلاق. الشاب الهزيل الذي ترك أفغانستان بعدما أهلكته الغربة وسلبت منه كل إحساس حقيقي بالدين الحنيف يقبع بجوار مسجد النفادي لبيع شرائط كاسيت للقرآن الكريم. الفتاة الجميلة.. شابة هذا المجتمع التي لا تقوي في النهاية علي إغراء المال بعد عدم استطاعتها الزواج بمن تحب للعجز المادي علي توفير أي مبالغ ولو متواضعة لتحقيق حلم الزواج.. هنا تنحرف لتتزوج سرا أو لنقل مجرد ورقة لا قيمة لها تبيع نفسها من خلالها لهذا الثري الذي تلهث وراءه زوجته التي كانت السبب في ملايين ولا يهمها من أمور الدنيا إلا المال فقط. وهكذا سكان حارة النفادي بكل ما يحملونه من اهداف, والمهم أن لكل منهم قناع يرتديه بينما الواقع يقول انه العكس تماما, حتي ذلك الذي يتحدث عن المبادئ فإنه لا يتورع عن ارتكاب الفاحشة ومع طفل بريء. لكل من هذا المجتمع ثار كبير مع الآخر.. ثأر ربما يعيش علي أمل أن يحققه في يوم من الأيام. معنا هنا أيضا مفتش الأمن الذي يحاول من خلال متابعته لأهل الحارة عند خروجهم ودخولهم وأيضا من خلال مشاجراتهم أن يصل إلي الحقيقة التي يريد الوصول إليها وهي من الذي ارتكب الجريمة.. جريمة القتل التي يحقق فيها الضابط. الطفل يحمل السكين خلف ظهره ليطعن بها من سلبه براءته, والزوجة الثرية تحمل السكين لتنتقم ممن استولت مع زوجها, والأم تحمل السكين لتدافع عن ابنتها الصغيرة التي تريد المرأة الثرية شراءها بسبب عدم استطاعتها الإنجاب. وهكذا الكل يحمل السكين خلف ظهره ليطعن بها من تسبب في أزمته الطاحنة وعدم استطاعته الحياة مع هذه الأزمة. هنا تسقط الأقنعة عن الجميع لنري أو لنشاهد المجتمع الذي عاش في ظل هذا الفساد الاجتماعي الذي كانوا يتحركون من خلاله.. لتسقط الأقنعة تماما لنري الجميع علي طبيعته, وللأسف البشعة وليست الجيدة من محتال باسم الدين, إلي محتال باسم الشرف, الي محتال باسم النزاهة.. إلي محتال باسم كل ما هو ساقط. مجتمع لا يجد معه المحقق بعد أن أشهر الجميع أسلحتهم وهي السكاكين في وجه الآخر.. هنا لا يجد المحقق من هو الجاني ومن هو المجني عليه, فالكل حقيقة مدان والكل أيضا بريء ومظلوم. هي القسوة التي ولدها نظام يعيش علي الكذب والرياء والظهور بمظهر مختلف تماما عن حقيقته. نص يعيش أو نعيش معه لحظات تقترب من الساعة والنصف مع أهل وسكان حارة النفادي إحدي أفقر الأحياء العشوائية أو الشعبية. مجتمع صغير يمثل مجتمعا كبيرا ربما من خلال معاناته نصل إلي حلول للمجتمع الكبير. النص كتبه محمود محروس واما الإخراج فكان لكريم مغاوري, وهو ابن الفنان المسرحي القدير سامي مغاوري. فماذا عن الإخراج؟ قدم كريم مغاوري رؤية قد لا يصل إليها مخرج كبير علما بأنها أول تجاربه في الإخراج.. حركة موظفة بصورة جيدة. اعتمد أيضا علي ديكور بديع لمحمد هاشم مع استخدام اضاءة مناسبة فماذا عن الممثلين ؟ كانت أمامنا مجموعة ربما أشاهد بعضها لأول مرة, ومع هذا واضح من خلال بروفات وتدريبات عديدة أراهم في أحسن حال من حيث الأداء والحركة. مع اعترافي بأن العمل في مجمله عمل جيد إلا أن ثمة إطالة حبذا لو كان المخرج قد تخلص منها. امتلأت مقاعد قاعة يوسف إدريس بمسرح السلام بالمتفرجين.. لكن الاسم أو العنوان لا يجتذب المشاهد وكان من الممكن استبداله بعنوان آخر. المهم أنه في النهاية عمل مسرحي يحسب لمسرح الشباب الذي تقع عليه حاليا مهمة إضاءة خشبات مسارحنا.