بعد شهرين فقط من الإجتماع المشترك للحكومتين الألمانية والإسرائيلية في القدس يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو برلين نهاية الأسبوع الجاري . وذلك في محاولة لعرقلة مبادرة الإتحاد الأوروبي المقرر طرحها خلال اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في منتصف الشهر الجاري والتي تدعمها المانيا بقوة تتضمن المبادرة إقتراحا بإقامة دولة فلسطينية علي اساس حدود1967 مع تبادل للأراضي ووضع أساس جديد لإستئناف مفاوضات السلام, كما تنص علي التوصل لحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ووضع ترتيبات أمنية لحماية إسرائيل دون المساس بالسيادة الفلسطينية. ومن الملاحظ في الأسابيع الأخيرة أن هناك جهدا المانيا نشيطا لتحريك مفاوضات السلام والضغط علي الحكومة الإسرائيلية وهو جهد مصحوب بحالة إستياء ملحوظة تشعر بها برلين منذ فترة تجاه حكومة نتانياهو بسبب موقفها المتعنت من قضية الإستيطان وتجميد مفاوضات السلام, وعبرت الحكومة الألمانية عن هذا الإستياء في أكثر من موقف ابرزها مؤخرا موافقة المانيا علي مشروع قرار في مجلس الأمن في فبراير الماضي يدين الإستيطان الإسرائيلي وهي خطوة نادرة الحدوث, كما كشفت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن فحوي مكالمة بين ميركل ونتانياهو بعد الموقف الألماني عنفت ميركل خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بقوة وإتهمته بأنه خيب آمالها ووصفته بالجمود السياسي. إضافة إلي التصريحات المتكررة من كبار المسؤلين الألمان في الفترة الأخيرة التي توجه نقدا غير معتاد لإسرائيل خاصة إصرارها علي مواصلة بناء الوحدات الإستيطانية في الأراضي الفلسطينية. ووفقا لخبراء المان بارزين في شئون الشرق الأوسط ومن بينهم فولكر بيرتس رئيس مؤسسة العلوم والسياسة واحد ابرز مستشاري الحكومة الألمانية في هذا الملف فإن برلين تري أن الثورات العربية تحتم إجراء تغيير جذري في تعامل إسرائيل مع عملية السلام ومع جيرانها العرب, فالحراك الديمقراطي العربي خاصة في مصر يتطلب من إسرائيل مرونة وتحركا بل ومبادرة إسرائيلية للتعامل مع الأنظمة الديمقراطية التي تتكون الآن في المنطقة. ويقول بيرتز إنه إذا كانت إسرائيل في السابق تفخر بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة فلابد أن تعي الآن أنه مع وجود ديمقراطيات اخري في المستقبل فإنه من الأفضل لها إبرام السلام مع الشعوب بدلا من الحكومات. ومن الواضح أن هذه هي نقطة خلاف جوهرية بين برلين وتل ابيب سعت ميركل مرارا لإقناع نتانياهو بها بلاجدوي إذ تلح المستشارة الألمانية علي نتانياهو منذ فترة لكي يبدأ في طرح خطة سياسية جديدة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في أسرع وقت لكي يتم إحراز تقدم فيها حتي شهر سبتمبر المقبل. وتشدد المستشارة علي أهمية إحياء آمال الفلسطينين في السلام الجاد حتي لا يندلع العنف من جديد وهو ما حدث بالفعل خلال الايام الأخيرة. غير أن المطلب الألماني يلقي آذانا إسرائيلية صماء ولا يزال النشاط الإسرائيلي منصبا علي تأمين دعم الماني وأوروبي غير محدود للسياسة الإسرائيلية. ووفقا لمصادر دبلوماسية ألمانية مطلعة فإن نتانياهو يريد محاصرة المحاولات الفلسطينية لاستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود67 كما أنه سعي مؤخرا لإقناع روسيا عن طريق إيفاد مستشاره الخاص إلي موسكو بعدم دعم مبادرة الاتحاد الاوروبي خلال إجتماع الرباعية. وأفادت المصادر أن الحكومة الألمانية ترفض هذه المحاولات الإسرائيلية وتري أنه لا بديل الآن في ظل تراجع الجهود الأمريكية لأسباب داخلية مرتبطة بالإنتخابات عن تنشيط الجهد الألماني والاوروبي وأن يقر إجتماع اللجنة الرباعية الدولية المقبل المبادرة المذكورة لإسئتناف مفاوضات السلام وإتخاذ خطوات ملموسة للإعتراف بدولة فلسطينية. وإذا كان الخلاف هو سيد الموقف الآن بين برلين وتل ابيب فيما يتعلق بمفاوضات السلام, فإن العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد طفرة غير مسبوقة من التعاون في جميع المجالات وهو ما ستؤكده مباحثات نتانياهو وميركل في برلين. فقبل ايام أجري وزير الداخلية الألماني هانز- بيتر فريدريش زيارة لإسرائيل تم الإتفاق خلالها علي تكثيف التعاون الامني في مجال مكافحة الإرهاب. كما سعي لجذب إستثمارات إسرائيلية لمناطق شرق ألمانيا خاصة في قطاع صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية في دريسدن, إضافة إلي تشجيع الإستثمارالإسرائيلي في ولايتي برلين وبراندبورج في قطاع تكنولوجيات الأمن. وفي إجتماع برلين ستبحث ميركل مع نتانياهو نتائج الجلسة الثالثة للمشاورات الحكومية المشتركة بين البلدين منذ شهرين, وتم خلالها الإتفاق علي توطيد التعاون في مجال زيادة عدد الطلبة الدارسين في كل من البلدين إضافة إلي التعاون في مجال مواجهة الكوارث مثل الزلازل والحرائق و تكثيف التعاون في مجال التكنولوجيا والزراعة وفي مجال إنشاء خطوط السكك الحديدية, كما أن شهر يونيو المقبل سيشهد إفتتاح اول منتدي الماني إسرائيلي للبحث العلمي. أما علي صعيد التعاون التنموي حيث تقوم المانيا منذ فترة بتطوير سياستها في إفريقيا والتركيز علي مجالات جديدة وإبرام شراكات بين القطاعين العام والخاص فمن الملاحظ أن برلين تسعي لاشراك دول مانحة أخري في مقدمتها إسرائيل فيما يعرف بالتعاون الثلاثي. ومؤخرا إفتتح وزير التنمية ديرك نيبل عدة مشروعات في غانا من بينها مشروع لتأهيل العاملين في مصنع للعصيرومعالجة الموالح بمشاركة إسرائيلية, وهناك أدلي الوزير بتصريحات لها دلالتها حيث قال إن الشراكة مع اسرائيل في إفريقيا هو توجه له بعد سياسي بالطبع فالحكومة الألمانية تقصد إشراك إسرائيل في التعاون مع دول نامية حتي لا تتعرض إسرائيل للعزلة.