«ميلوني» ل «ميقاتي»: نعمل على وقف إطلاق نار دائم ومستمر في غزة ولبنان    بوروسيا دورتموند يفوز على سانت باولي بهدفين في الدوري الألماني    ديربي الرباط.. الجيش الملكي يفوز على الفتح بهدف في الدوري المغربي    توقعات أسعار الذهب عالميا.. هل يكسر حاجز ال3000 دولار للأوقية؟    مدير مستشفى العودة: قوات الاحتلال تطلق الرصاص على مركبات الإسعاف وتمنعها من الوصول للمصابين    أحمد سليمان: طريق الأهلي أفضل.. ولكننا نحب التحديات    «مينفعش الكلام اللي قولته».. إبراهيم سعيد يهاجم خالد الغندور بسبب إمام عاشور    تشكيل آرسنال ضد بورنموث في الدوري الإنجليزي    بسبب الأجرة.. ضبط سائق تاكسي استولى على هاتف سيدة في القاهرة (تفاصيل)    سياسة إكس الجديدة تدخل حيز التنفيذ في 15 نوفمبر..تعرف عليها    غلق نفق محمد نجيب بالقاهرة أسفل الدائرى.. تعرف على البدائل    ب 50 جنيها.. كيف تحولت المراهنات الإلكترونية لجريمة «غسيل أموال»؟    أفضل 7 أدعية قبل النوم    بعد إرتفاع سعر أنبوبة البوتاجاز.. حيل لتوفر50% من استهلاك الغاز في مطبخك    الإغماء المفاجئ.. حسام موافي يحذر من علامات تدل على مشاكل صحية خطيرة    بلومبيرج: توقعات بارتفاع ناتج حصاد الكاكاو في كوت ديفوار بنسبة 10%    جميل عفيفي: تطابق وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    بوتين يؤكد «بريكس» لم تنشأ ضد أي اتحاد.. وتعمل انطلاقا من القيم المشتركة بين أعضائها    تعليم الجيزة تعلن موعد التدريب التأهيلي لمسابقة 30 ألف معلم الذين لم يحضروا    اتحاد عمال مصر: قانون العمل الجديد يحدد ضوابط إنهاء الخدمة ويحمي الحقوق    رسميا.. الموعد النهائي لبدء إجازة نصف العام بالجامعات    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    ستاندرد آند بورز تعلن أسباب الإبقاء على نظرة مستقبلية إيجابية لمصر    كيف تطور عمر مرموش مع آينتراخت فرانكفورت؟.. المدير الرياضي للنادي الألماني يوضح    عاجل - مباراة النصر ضد الشباب: فوز صعب وتعزيز للموقع في دوري روشن السعودي    عبدالحليم: جماهير الزمالك ستكون العامل الحاسم في بطولة السوبر المصري    شعبة السيارات: زيادة البنزين ليست عاملا لتحريك أسعار المركبات وننتظر قرارات بشأن الاستيراد    موعد صرف الضمان الاجتماعي المطور لشهر نوفمبر 2024    إسكان النواب تكشف موعد إصدار قانون البناء الموحد الجديد    اللواء نصر موسى يتذكر لحظات النكسة: درست 50 ساعة طيران    ضبط مسجل خطر بحوزته 10.2 كيلو حشيش بالشروق    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت 19 - 10 - 2024    إجراء تحليل مخدرات للسائق المتسبب في دهس شخصين بكورنيش حلوان    حضور كبير في حفل تامر عاشور بمهرجان الموسيقى العربية.. كامل العدد    حالات إغماء في حفل تامر حسني بالإسكندرية والفنان يعلق    مدحت العدل: هناك فرق بين الموهوب والموهوم.. وهذه مواصفات النجم    المخرجة شيرين عادل: مسلسل تيتا زوزو مكتوب بمصداقية ويناقش مشكلات حقيقية    برج القوس حظك اليوم السبت 19 أكتوبر 2024.. حافظ على صحتك    مقدم برنامج المراجعة النهائية: حلقة سنكافولا كانت فارقة وهنيدي انبسط منها    تكريم بدرية طلبة خلال حفل افتتاح الدورة 5 من مهرجان المسرح العربى    8 نصائح لتغيير شخصية طفلك الخجول    نصر موسى يكشف مفاجآة: كانت هناك ضربة جوية ثانية في حرب أكتوبر وتم إلغاؤها    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    وزير الخارجية التركي يعزي حركة حماس في استشهاد السنوار    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل    30 شهيدا بينهم 20 طفلا وامرأة في قصف مخيم جباليا في غزة    رهاب الطيران..6 طرق للتغلب عليها    الصحة تنصح هؤلاء بضرورة تلقي تطعيم الإنفلونزا قبل الشتاء    ارتفاع سعر الحديد وتراجع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 19 أكتوبر 2024    القاهرة الإخبارية: حراك سياسي ومساعِِ لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي في لبنان    تطابق ال«DNA» لجثة مجهول مع شقيقه بعد 30 يومًا من العثور عليها بالتبين    تراجع سعر الفراخ البيضاء والساسو وثبات كرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 19 أكتوبر 2024    أشرف عبد الغني: الرؤية العبقرية للرئيس السيسي حاضرة وقوية وتدرك المتغيرات    أسعار التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 19 أكتوبر 2024    ماذا نصنع إذا عميت أبصاركم؟.. خطيب الجامع الأزهر: تحريم الخمر ثابت في القرآن والسنة    عالم أزهري: الإسلام تصدى لظاهرة التنمر في الكتاب والسنة    رواج سياحي واقتصادي.. مولد إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ يجتذب مئات المصريين والعرب (صور)    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية حيوية للحوار الوطني
الانتقال من الدولة التقليدية إلي دولة المعلومات
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2011

سيكون عجيبا ومثيرا للدهشة أن نبدأ حوارا وطنيا بلا معلومات‏,‏ أو ننشئ لجنة للحوار الوطني تناقش المستقبل بدون أن يكون فيها عقل واحد أو شخص واحد يعرض كيف يمكن دمج ثورة المعلومات في بنية الدولة الجديدة‏,‏ بعبارة أخري‏:‏ ليس من المنطق أن نبدأ حوارا وطنيا ذا أجندة تتجاهل أن ثورة يناير تشكلت وخرجت من رحم ثورة المعلومات‏. , بعدما كان الفيس بوك حاضنتها, وتويتر جهازها العصبي والمدونات مركز تفكيرها ويوتيوب أداتها الإعلامية الضاربة, وليس من المعقول أن تتجاهل لجنة الحوار أن في مصر المفكر الكبير وخبير المعلوماتية الأبرز علي مستوي العالم العربي الدكتور نبيل علي, وتبدأ أعمالها دون أن تدعوه لأن يكون موجودا باللجنة.
لقد لاحظنا أنه ما أن بدأت ماكينة الحوار بالدوران, حتي ظهر من يطلب المصالحة مع الرموز السابقة, وآخر ينتقد تأخر وصول الدعوة إلي حزبه, وثالث ينسحب لأنه لم يمثل بشكل جيد, مما أعطي الانطباع بأن قضايا التحزب والسياسة وأمور الحكم تتجه لان تختطف الحوار وأجندته من واجبات التفكير في قضايا إعادة بناء الدولة, وفي مقدمتها كيفية إدماج المعلوماتية في إدارة الوطن, والرسالة التي يمكن الخروج بها من ذلك أننا بصدد حوار يبعث علي القلق.
إننا لو نظرنا إلي سلة الهموم المصرية نجد انه في التعليم مثلا هناك تبرم وعدم رضا عن المناهج والجودة وطرق التدريس والتكلفة, وفي الزراعة جدل حول مافيا التعدي علي الأرض الزراعية وبيعها وتدهور بعض المحاصيل, وفي الري هواجس حول شح المياه وعدم اطمئنان إلي مشروع توشكي, وفي الصحة معاناة في مستشفيات الحكومة من تدني الأداء وأحيانا اختفاء الخدمة ومعاناة في القطاع الخاص والاستثماري من لهيب الأسعار وطغيان الفندقة علي كفاءة العلاج, وفي السياسة سلاسل من الاشتباكات لا تنتهي حول قضايا الحكم والانتخابات وغيرها, وفي الصحافة والإعلام أوضاع وصلت لحافة الاشتعال.
لقد تراكمت هذه الهموم التي تثقل كاهل الناس وتزايدت يوما بعد يوم حتي باتت صعبة الحصر, وحينما ننظر إليها نجد بينها قاسما مشتركا وهو أننا لا نلتفت لأبعادها وأسبابها المعلوماتية ونهملها إلي حد كبير حتي أصبحت هذه الأبعاد كالفريضة الغائبة, سواء في مرحلة التحليل والفهم أو وضع الحلول أو المواجهة, وعمليا يؤدي هذا الغياب إلي زيادة اشتعال الهموم وتعقيدها وغموضها وتمديد عمرها واستعصائها علي الحل, وتشديد وطأتها علي الحلقة الأضعف في الوضع برمته وهو المواطن البسيط, ولا ريب أن الأمر بهذا الشكل يجعلنا في حاجة ماسة لإعادة القراءة والتعامل مع هذه الهموم من المنظور المعلوماتي ونحن ندير حوارا وطنيا يفترض أنه يستهدف الاتفاق علي رؤي واضحة لإعادة بناء الدولة.
انطلاقا من ذلك: ما الذي يمكن طرحه علي مائدة الحوار الوطني من منظور المعلوماتية بأفرعها المتكاملة اتصالات إنترنت برمجيات الكترونيات نظم قواعد بيانات وغيرها؟
لو نظرنا للحوار الوطني من منظور المعلومات سنجد أنفسنا أمام نموذجين للدولة: الأول نموذج الدولة التقليدية التي تمتد بعض جذورها إلي عهود الفراعنة, وذات أفكار وممارسات وسمات وأدوات تراكمت عبر الزمن ولم تعد صالحه ويتعين رفضها والتخلص منها, والثاني نموذج دولة المعلومات والمعرفة التي تستمد أفكارها وممارساتها وسماتها وأدواتها مما أتاحته ثورة المعلومات التي شكلت رأس الحربة في ثورة يناير, ويتعين بناؤها وتقويتها, ومن هنا فإن مهمة الحوار الوطني هي البحث في كيفية الانتقال من الدولة التقليدية إلي دولة المعلومات.
والدولة التقليدية التي نعيشها الآن ويتعين البحث في كيفية تطويرها والتخلص من إرثها القديم هي دولة:
سلطوية هرمية البناء تتبع أسلوب إصدار التعليمات وتقديم الإرشادات الواجبة التنفيذ, ويخضع فيها المستوي الأدني للمستوي الأعلي والتلقي منه بلا مناقشة.
تجعل من نفسها القلب أو المركز الذي يدور حوله ويستجيب له ويخضع له كل ما سواه, وتركز علي تحقيق ما تراه أو تضعه هي وإداراتها وهيئاتها من أهداف, بينما الشعب والمواطنين وأصحاب المصلحة والجمعيات والمؤسسات علي الهامش ويسودهم شعور بأن آرائهم لا يتم تقديرها والاعتداد بها.
تركز علي الخطط والاستراتيجيات التي توضع لتخفيف الأعباء عن نفسها.
تتغلب لديها ثقافة اعتقال المعلومات وحجبها علي ثقافة حرية المعلومات والإفصاح عنها.
مستوي تفاعلها مع المواطنين وأصحاب المصلحة الآخرين منخفض ويركز علي التعامل مع الحدث بعد وقوعه كرد فعل, وتعاملاتها المباشرة مع المتعاملين معقدة بشدة وتفتقد التنسيق.
تستخدم تكنولوجيات جديدة دون أخذ المستخدمين في الاعتبار
تلتزم بقيود إجرائية وتستجيب للتغيير ولا تسعي إلي إحداثه.
تري مصدر القوة هو اللجوء إلي فرض الاستقرار من خلال جعل الهياكل والطرق التقليدية هي الأساس لمختلف العمليات والثقافات السائدة في العمل, ولذلك فإنه عند حدوث تغيير علي نطاق واسع أو المطالبة به يبدو ذلك في نظرها وكأنه انقلاب جوهري علي كل المستويات.
تبدو كالقلعة المغلقة علي أصحابها ونظمها, حيث يتم بداخلها فقط التعرف علي ما يجب ان تقوم به وكيفية القيام بذلك ومن ثم تقديمه بشكل مستقل.
تسودها علاقات غير متكاملة, وتتم علي أساس بيروقراطي بين الإدارات والمستويات المختلفة بداخلها.
تميل إلي رفض التحديث والتعديل وتتهرب من المسئولية ويكون لمبدأ كبش الفداء تأثير قوي وفعال في بيئة العمل, كما تتسمك بطرق وأساليب العمل القديمة.
بطيئة الاستجابة ومعدل استجابتها لمواطنيها يقاس بالشهور ويتأثر بهياكل وأساليب العمل التقليدية وعدم الترابط بين الإدارات وصعوبة التعديل.
تميل إلي تغييرات تكتيكية لتحقيق غرض معين يلبي احتياجات فورية, وتعيد استخدام المراحل التي تم إنجازها بدلا من العمل علي تطويرها وتحديثها, وغالبا ما تمارس التحسين والتطوير بصورة متقطعة.
هذه هي السمات أو الممارسات الموروثة في الدولة المصرية العتيقة والتي يتعين علي الحوار الوطني البحث عن سبل التخلص منها, أما دولة المعلومات والمعرفة المستندة إلي المعلوماتية وتكنولوجياتها وأدواتها المختلفة والتي يتعين علي الحوار البحث في سبل إقامتها فهي دولة تتسم بأنها:
تعاونية شبكية البناء وتعتبر أن مهمتها الأولي تقديم الخدمات ويقوم عملها علي التعاون في العمل بين جميع النظم القائمة ومشاركة الخبراء من الخارج.
تركز علي تحقيق الأهداف المتعلقة بأصحاب المصلحة من الجمهور بالإضافة لتحسين عملية تقديم الخدمات.
ذات تفاعل عال مع مواطنيها وتهتم برصد ردود أفعالهم وتركز علي أهدافهم ومتطلباتهم وتتعامل مع الأحداث قبل وقوعها بشكل يشجع علي المشاركة النشطة والتواصل الفعال.
منصتة أي تجيد الاستماع لمواطنيها وتعتبرهم هم الأساس وتركز علي إرضائهم, وتسمح لهم بإدارة علاقتهم مع الحكومة.
توازن بين الحق في حرية المعلومات وتداولها ومقتضيات أمن وحماية البيانات والمعلومات وصيانتها.
يقوم التواصل بين وحداتها علي نموذج اتصالات متكامل يستند إلي قيم وأخلاقيات المشاركة والتعاون في العمل والمبادرة.
تتعامل مع الحدث قبل وقوعه وتبحث عن ابتكار طرق جديدة لأداء الأعمال وتقديم الخدمات بشكل أفضل وتبادر بإحداث التغيير واستيعابه بدلا من انتظار حدوثه ثم الاستجابة له.
تري أن مصدر القوة هو امتلاك طرق وأساليب عمل وبنية تنظيمية تتسم بالمرونة وسرعة الاستجابة, وشكل مؤسسي يسمح بالتكيف مع التغييرات الشاملة والرئيسية واستيعابها بسهولة وبأقل قدر من تعطيل سير العمل.
مفتوحة وقائمة علي التعددية والتنوع وتعتمد علي الآخرين كي يقدموا العون في عملية تقديم الخدمات.
تعتمد علي رأس المال الفكري وعلي خبرة الموظفين وعلي أساليب عمل مرنة كنظام العمل عن بعد.
تقبل بفكرة المخاطرة, وتدعم تحمل المسئولية والعمل وفقا لأساليب بتقديم المكافآت والحوافز للموظفين وتطبق أساليب عمل جديدة ومبتكرة تتيح التعامل مع المخاطر بشكل فعال.
جهودها تتكامل مع جهود شركائها من المواطنين بشكل فعلي وتوافق علي قيام الشركاء بإدارة الخدمات إذا كان ذلك يفيد عملية تقديم هذه الخدمات.
تستجيب لطلبات مواطنيها خلال ساعات ودائما في حالة متابعة وتعديل وتحسين أدائها والاستجابة للتغيرات بشكل سريع وسهل.
استشارية تشجع وتسهل إبداء الآراء في تقارير الإفادة علي كل المستويات.
تنفذ استراتيجية تنمية وتطوير بشكل قائم علي المبادرة وبرامجها التنموية تتم وفق رؤية اكثر شمولا, ولا تتوقف عن تنمية وتطوير ما تم انجازه, وبالتالي تعيش حالة دائمة من التغيير السلس والمستمر.
وإذا كنا جادين حقا في حوار وطني هدفه بناء الدولة لا التناحر علي السلطة, فيتعين أن تكون قضايا المعلوماتية ومفكريها في قلب هذا الحوار لا خارجه, للمساهمة في توضيح وشرح كيفية الانتقال بالدولة والوطن من النموذج التقليدي القديم إلي النموذج العصري المستند للمعلومات والمعرفة الذي تلعب فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا حاسما للغاية, وإلا سينتهي بنا الأمر في أفضل الأحوال إلي نظام سياسي مقبول شكلا, لكنه ليس سوي غلاف رقيق لدولة في جوهرها متخلفة إداريا مستبدة بيروقراطيا, يدها ثقيلة وحركتها بطيئة, تمن علي مواطنيها بخدماتها, وتهيمن عليهم بسلطاتها, وتضن عليهم بمعلوماتها, فتقل فرصتها في أن تكون دولة مبدعة منتجة مستقلة سريعة الحركة متوازنة الأداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.