لو أنفقت مصر مئات الملايين من الدولارات لكي تطبع صورة ايجابية عنها لدي الرأي العام العالمي علي غرار ما أثمرت عنه مشاركتها الأخيرة في كأس الامم الافريقية2010 وفوزها بها للمرة الثالثة علي التوالي. ما استطاعت إلي ذلك سبيلا. ومن المعلوم أن المجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته ودوله يتعامل مع أي دولة في اطار الصورة الذهنية المنطبعة عنها عبر ممارساتها المختلفة علي كل الأصعدة ومن بينها بطبيعة الحال المجال الرياضي. ولست أبالغ إذا قلت ان الرياضيين بحسن أدائهم, ورفعة أخلاقهم, وتفوقهم علي غيرهم, يؤدون دور العلاقات العامة الدولية عندما يعكسون هذه الجوانب في المنافسات القارية والدولية, وكم من دول وشعوب ومجتمعات جنت من تفوقها الرياضي صورة طيبة وسمعة متميزة, فاقت جهودها الدبلوماسية وتبادلها التجاري وابداعها الفني, ولذا يبدو الانفاق علي المجال الرياضي والاهتمام به استثمارا علي المدي القريب والبعيد. واذا توقفنا عند الحدث الأهم الذي شهدته القارة السمراء في الشهر الاول من عام2010 ألا وهو كأس الامم الافريقية والتي فازت بها مصر للمرة الثالثة علي التوالي في انجاز غير مسبوق, اذا توقفنا عند هذا الحدث استطعنا أن نحصد كثيرا من الملامح الايجابية التي عكسها منتخبنا القومي تاركة تأثيرا رائعا علي صورة مصر في المحافل الدولية. أولا: أن التفوق والابداع المستمر وتحقيق السبق علي الدوام يتطلب الأخذ بالأسس العلمية, إذ لا مجال للارتجال والعشوائية في ممارسة النشاط الرياضي, والسماء لاتمطر ذهبا ولا فضة, والحظ لايبتسم إلا لمن يأخذ بأسبابه, ولايمكن لانجاز كهذا أن يتحقق بضربة حظ كما يحلو لبعض المشككين أن يزعموا, إنما هو ثمرة للتخطيط العلمي الذي عكس عند تنفيذه صورة طيبة لمجتمع راق وملامح ايجابية لشعب عظيم, واستلهاما لقيم حضارية عمرها سبعة الاف سنة. ثانيا: أن هناك تلازما وارتباطا وثيقا بين الانضباط الاخلاقي والديني, وبين التفوق والابداع, وكأن نجومنا قدموا تجسيدا واقعيا لمفاهيم الدين الباعثة علي بذل الجهد والعرق, والمنافسة الشريفة, واحترام اللوائح والقوانين, والقبول بمبدأ التعاون والشراكة مع الآخرين, وعدم الاستهانة بالمنافسين. ثالثا: أن التلاحم بين القيادة والشعب من خلال ممارسة أي نشاط دائما ما يسفر عن انجاز رائع. وقد بدا ذلك واضحا عبر الانجازات الثلاثة(2010,2008,2006) فعندما تحرص القيادة في أعلي مستوياتها علي التشجيع والمتابعة وتذليل الصعاب وعندما يتجاوب النجوم مع هذا المناخ الملائم ببذل الجهود فلابد أن تكون النتيجة علي نحو ما رأينا إنجازا يفوق الوصف. رابعا: ان امكانات مصر البشرية هائلة ولو أحسن استغلالها والتخطيط لها لحققت طفرات هائلة في شتي المجالات, وأن انتماء المصريين لوطنهم هو سر تفوقهم, وقد بدا الانجاز بفضل الله مصريا خالصا لاتشوبه شوائب. خامسا: أن المدرب حسن شحاتة اختار نجومه عينة من الذهب الخالص كأنه أراد من خلالهم أن يمثل مصر بأقاليمها وحضرها وريفها. سادسا: أن رد مصر جاء عمليا وواقعيا, فمصر تعلو علي الصغائر ولاتتوقف أمام توافه الأمور, ولكنها تصون جهدها وتوفر وقتها وتشحذ همتها, وعندما جاءت اللحظة المناسبة حصدت مصر كل جوانب التفوق والابداع: الحارس الافضل من أبنائها, واللاعب الاحسن من خيرة شبابها, والاعلي تهديفا فلذة كبدها, وصاحب الخلق الكريم واللعب النظيف فتي من فتيانها وكلهم وسام علي صدرها. سابعا: ان استثمار ماحدث يبدو أمرا واجبا وحبذا لو سحبنا أسباب التفوق والابداع التي صاحبت هذاالمشهد علي جوانب أخري تحتاج إلي هذه الروح الوثابة والتخطيط السليم, والاستعداد الجاد, لنحقق أرقاما ونحطم أخري ونبدو أمام غيرنا حالات دراسية تحتاج إلي من يفك شفرة نبوغها وتفوقها. ثامنا: ليقل لي خبراء الاعلام وأرباب صناعة الاعلان ومخططو حملات الاتصال السياسي, كم من البرامج كنا في حاجة اليها, وكم من المقالات كان علينا أن نسطرها, وكم من الاعلانات كان ضروريا أن ننتجها, وكم من الخطب كان لزاما علينا أن نلقيها لنطبع صورة طيبة بملامح ايجابية علي غرار ما فعله انجاز2010.