الدين يختطف السياسة! لو استمع المرء بقلبه فقط لشعارات تخلط الدين بالسياسة لما تمكن من المقاومة طويلا! فالدين يخاطب الوجدان, ويملأ الروح بالسكينة, ويقدم إجابات حاسمة في عالم تسوده مظاهر كثيرة من عدم اليقين, بل فساد كبير و أجندات متعارضة, لذا عندما اختصر البعض أمر التعديلات الدستورية في نعم.. واجب شرعي, فهؤلاء صادروا المسألة برمتها اتساقا مع الشعار الشهير الاسلام هو الحل.. فلم يعد مطلوبا من عوام الناس أن يفكروا لأن الأخ الأكبر قد تكفل بذلك! وذهب البعض الآخر في معسكر الاسلام السياسي إلي مرحلة أبعد بتصوير المعركة مابين فسطاط المدافعين عن الأمة وشريعتها في مقابل كل من قال لا الحاملين أجندات خارجية أو علمانيين ويساريين وأقباط. إذن حسم الأمر قبل أن يبدأ! .. وفي واقع الأمر نحن أمام مشهد مربك, فبعدما اختطف الأمن السياسة في عهد مبارك, فها هو الدين يختطف السياسة. والحقيقة الصارخة هي أن رجال الدين المسيحي شاركوا في العملية مثلما شاركت فيها الاخوان المسلمون والجماعات السلفية والجماعة الاسلامية وجميع التنوعيات الأخري, وبالرغم من وجود أصوات عاقلة ومستنيرة في هذه القوي إلا أن حماس البعض للانتصار للدين ربما كان وراء ماحدث من تمزيق ملصقات, أو المساعدة في الاجابة بنعم علي بعض الأوراق, والاحتكاك بأنصار لا, وهو ماحدث مع البعض ومن بينهم المرشح للرئاسة محمد البرادعي. وأغلب الظن أن تطمينات د. عصام العريان, فضلا عن التفسيرات المعتادة من قبل الاصوات المعتدلة في الكنيسة بأن المصريين بخير و لاداعي للقلق لم تعد كافية في مصر25 يناير الجديدة فهذه اللحظة لم يعد هناك مجال للخوف ليحكم المشهد السياسي, كما أن المسكنات لم تعد تجدي نفعا, ولابد أن يصارحنا عنصرا الأمة فيما إذا كانا يريدان دولة دينية أو دولة مدنية, وبالطبع لا أحد يدعو أو يرغب في أن تختفي المادة الثانية من الدستور, كما أن هذا ليس دعوة لأن يظل الدين مقصورا علي المساجد أو الكنائس, بل بالعكس لابد للدين أن يملأ الصدور والقلوب ويرقي من السلوك والمعاملة, وأن يظلل تعايش عنصري الأمة. إلا أن ما هو ليس مطلوبا اختطاف الدين من جانب أي فئة, وإقصاء الآخرين, وألا تكون ديمقراطية مرة أولي وأخيرة! وباعث الخوف هو حديث الشيخ محمد حسين يعقوب الذي أذيع بالتليفزيون, وقال الرجل بصراحة الديمقراطية بتاعتهم أظهرت أن الشعب عايز دين, والدستور بتاعهم ده لايهمنا في شيء, والآن أخشي أن اقول اننا نتجه إلي السيناريو الايراني وليس إلي النموذج التركي بل ربما أكون متفائلا! المزيد من أعمدة محمد صابرين