هناك الكثير الذي يجمع بينهما, فهما سيدتان, تعملان تحت الأمين العام للأمم المتحدة مباشرة, وهما مقاتلتان في سبيل البشرية وضد الكوارث سواء كانت الطبيعية منها, أو التي يصنعها الإنسان بحروبه التي لا تنتهي. إنهما الكندية كاثرين براج مساعد الأمين العام للشئون الإنسانية والإغاثة, والسويدية مارجريت هولشتروم الممثل الشخصي للأمين العام للمنظمة الدولية لشئون التقليل من مخاطر الكوارث. حتي لا يحدث خلط لدي القاريء, فإن المنصبين يتفقان في الهدف, ولكنهما يختلفان في طبيعتهما, فمنصب السيدة هولشتروم يعني بالجانب التشخيصي والوقائي والعلاجي, في حين أن منصب السيدة براج معني بالعمل الإغاثي الميداني.السيدتان تصادف زيارتهما لمصر مؤخرا, حيث عقدت كل منهما محادثات مع مسئولي وزارات ومنظمات مختلفة. ففي حين تباحثت السيدة براج مع مسئولين بالخارجية والجامعة العربية, عقدت السيدة هولشتروم مباحثات مع وزير البيئة. بدأت الحوارين بسؤال مشترك للسيدتين حول أي الكوارث أقسي علي البشر, وأيهما يستنزف موارد أكثر: الكوارث الطبيعية, أم الكوارث من صنع البشر؟ وقد دفعت طبيعة العمل الميداني للسيدة براج للقول:.. نحن لا نعقد هذه المقارنات, ولكن بصفة عامة, فإن كوارث الصراعات غالبا ما تكلف أكثر. ولكن ما يجمعها بالكوارث الطبيعية هو معاناة البشر التي نحاول تخفيفها. وكلا النوعين من الكوارث يتشابهان, ولكن يبقي الاختلاف الرئيسي هو تعاون الحكومات معنا في حال الكوارث الطبيعية, في حين أن بعض أطراف الصراعات لا تكون بالضرورة مرحبة بنا, ولكن ما يعنينا نحن هو تأمين حاجيات البشر بدون تمييز. أما إجابة السيدة هولشتروم, فبدا أنها تأثرت بطبيعة عملها المتعلقة بالتشخيص الوقائي, حيث تقول:... كلفة الكوارث الطبيعية علي المدي المتوسط والبعيد وخاصة علي صعيد حياة واقتصاديات البشر المضارين تكون أكبر من كلفة كوارث الحروب, إلا أن هذه الكلفة لا تحتل الصفات الأولي في الصحف مثل كوارث الحرب... ولم تتردد السيدة براج في رفض الطرح الذي تضمنه سؤالي الخاص بالازدواجية التي تحدث أحيانا في التعاطي السياسي مع كوارث الحروب, والذي يزيد عنه في التعاطي مع الكوارث الطبيعية, مشيرة إلي ترحيب الحكومات بمساعدات الإغاثة الدولية بغض النظر عن خلفيات الكوارث, ومثال علي ذلك المساعدات التي تقدم لمواجهة كوارث طبيعية في الصومال وإندونيسيا, والمساعدات التي تقدم لمواجهة صراعات الأراضي المحتلة واليمن وباكستان والسودان. وحيث إن المتغيرات السياسية تؤثر أحيانا علي العمل الإغاثي, فقد استفسرنا من المسئولة الدولية عما سيكون عليه الموقف في حال انسحاب القوات الدولية من افغانستان, واحتمالات استعادة طالبان السلطة؟ أكدت السيدة براج أن المنظمة تقوم بعملها الإغاثي في أفغانستان منذ20 عاما, وأنها ستبقي هناك بغض النظر عن التطورات السياسية لإغاثة البشر باستقلالية وحيادية. وكان السؤال المنطقي لمرجريت هولشتروم حول كون تفويضها يشمل كوارث الصراعات والحروب, فقالت:.. حيث إن العديد من الصراعات في مناطق مختلفة تدور حول الموارد الطبيعية, مثل المياه, وحيث إن جزءا من تفويضنا هو الحد من مخاطر الكوارث, فإن ذلك يمثل نقطة التقاء لنا مع كوارث الصراعات بالتوعية حول استغلال مياه الأنهار... إجابة السيدة السويدية دفعتنا للتعرض لشكوي بعض دول حوض النيل من ندرة المياه, في الوقت الذي يموت آلاف مواطنيها سنويا من كثرتها التي تصل لحد الفيضانات, وأن مثل هذه الظاهرة تعكس مشكلة فقر إدارة وليس فقرا مائيا, وهو ما وافقت عليه هولشتروم, حيث قالت:... هذا واقع, وجانب منه بسبب تغير أنماط المناخ, ولنقص القدرة المعرفية لتلك الدول في التعامل السريع مع تلك المتغيرات, وهو النقص الذي نحاول أن نسده بالمعلومات والخبراء.. وحول إمكانيات الأممالمتحدة مساعدة دول حوض النيل في تسوية هذه الخلافات, أشارت السيدة هولشتروم إلي أن الأممالمتحدة لديها الخبراء ويمكنها المساعدة خاصة في تحسين إدارة النهر, وهو موضوع فني في المقام الأول, إلا أنها أكدت الحاجة لاتفاق دول النهر. وحول ما فعلته الأممالمتحدة لمساعدة مصر إزاء تحذيرها مؤخرا من أن10 ملايين مصري مهددون بغرق أراضيهم في الدلتا بسبب ارتفاع مستوي البحر, قالت هولشتروم:... لقد حذرنا من أنه في المرحلة الأولي, ستزيد ملوحة التربة الزراعية, مما سيؤدي لمشاكل اقتصادية صعبة. وقد كان ذلك موضوع محادثاتي مع وزير البيئة, بالإضافة لخطط مصر الاستراتيجية لمواجهة هذه المشكلة, وكيف سيتم إعادة توظيف السكان الذين سيفقدون مورد رزقهم, في الوقت ذاته, بحثت مع الوزير خطط عمل مصر لمواجهة التغير المناخي وتأثيراته الاقتصادية... وحول توقعاتها بزيادة أعمال الإغاثة بالشرق الأوسط, وما إذا كان ذلك يعني زيادة في كوارث صراعات البشر, اتفقت السيدة براج مع هذا التوقع, ولكن بسبب الكوارث الطبيعية وفي مقدمتها التغير المناخي والجفاف وارتفاع منسوب البحر, في حين رفضت طرح زيادة الإغاثة علي خلفية زيادة الصراعات لرفضها التعامل مع ما سمته ب التكهنات السياسية! وحيث إن السيدة هولشتروم كانت من أهم المشاركين في التحضير لقمة الأرض التي عقدت مؤخرا في كونبهاجن, فقد كان من الضروري سؤالها عما غاب عن هذه القمة لكي تخرج بهذه النتائج المحبطة للامال, وعدم ارتقاء الدول المتقدمة لمستوي خطورة الموقف, فقالت إنها تتفق علي كون النتائج محبطة, وبأنه يجب علينا كمواطنين أن نواصل الضغط علي سياسيينا. وحول تصوراتها لمستقبل الأرض بعد50 عاما بالنظر لنتائج كوبنهاجن, خاصة ونحن إزاء نذر شؤم بما حدث مؤخرا في هايتي, وسبل إقناع زعماء العالم بإطلاق سراح الأرض, قالت هولشتروم:... نحن بحاجة إلي زعماء علي مستوي عال من الإحساس بالمسئولية والالتزام, وهو ما يدفعني للقول بأن كوبنهاجن كانت محطة مهمة للتأكيد علي ضرورة عدم إضاعة مزيد من الوقت الثمين, فنحن نتحدث عن20 عاما باقية للوصول إلي أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها. ولعل الأضرار الاقتصادية الفادحة المتوقعة هي التي ستفيق الناس وتدفعهم للتحرك السريع.... وعودة إلي السيدة براج التي طرحنا عليها الازدواجية في التعامل مع الكوارث الناجمة عن تجاوزات البشر وجرائمهم, ففي حين تمت مواجهة ما حدث في دارفور بتوجية الاتهامات للرئيس السوداني عمر البشير, نجد في المقابل عدم تحرك إزاء الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين, وهل تصعب مثل هذه الازدواجية من عملها الإغاثي؟ اكتفت المسئولة الدولية بقولها:... أنت تفترض وجود ازدواجية, وهو طرح سياسي أنا بعيدة عنه...!. واختتمت بالسيدة هولشتروم التي سألتها إذا كانت تتفق معي علي أن غالبية ما يطلق عليه الكوارث الطبيعية هي في الأساس صناعة بشرية. اتفقت الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مع ذلك, مؤكدة علي وجود خيارات لوقف إطلاق نار سريع بين البشر والطبيعة ووقف الحرب بينهما.