بكل تأكيد فإن ثورة الشباب25 يناير2011 نموذج فريد في تاريخ البشرية كلها فليس لها مثيل في التاريخ الإنساني العالمي, وأعتقد أنه من الصعب التنبؤ بنموذج لها في المدي البعيد في العالم كله. ثورة شباب تقي طاهر مثقف متعلم بخبرة كفء بثورة الاتصالات, ومن ثم جمعت بين أمرين متلازمين معا: الأمر الأول: قوة شباب بتلقائية عظيمة تهدف إلي الشرعية, وتحقيق المشروعية علي أسس ديمقراطية متينة. لأنه دون ديمقراطية لا دستورية, ودون دستورية لا شرعية, ودون شرعية لا مشروعية, ودون مشروعية لا مجال للكلام علي الدولة القانونية. ومن ثم فإن ما هدفت إليه هذه الثورة هو تحقيق الدولة القانونية. حيث المواطن الفرد هو أساس ومحور المواطنة الحقة باحترام كامل لإنسانيته وآدميته في إطار متكامل من الحقوق والحريات العامة. الأمر الثاني: هذا الشباب مفجر وقائد هذه الثورة ومحورها وصانعها تسلح بأرقي أدوات الاتصالات الحديثة, عرف وعلم مضمونها وآثارها. فكانت ثورته الفريدة نموذجا وإنسانية وخلقا وشأنا بأرقي عوامل التهذيب والرقي فشرفت بهم مصر وشرفوا بمصر وشرفنا جميعا بانتمائنا إليهم. ومن قبل تحقيق الانتماء المعجزة لأرقي وأعظم حضارة عرفتها الإنسانية علي مدي أكثر من ستة قرون فأضحي المواطن يفتخر بمصريته بعزة وإجلال مرفوع الرأس والهامة. أنجزت الثورة سقوط النظام السياسي في مصر بكل مقوماته: الدستور ومؤسسات النظام السياسي, ومن ثم كان هذا التصميم القاطع من لزومية إقامة نظام سياسي علي أسس ديمقراطية دستورية تحقق الشرعية المتكاملة لمؤسسات النظام السياسي المصري حتي تقوم الدولة القانونية علي أسس المشروعية الحقة. إن أهداف هذه الثورة هي إقامة نظام سياسي ديمقراطي يكون المواطن هو محوره وأساسه بتحقيق كل الرقي له بجميع حقوقه المتكاملة من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية بحرية لحق الاعتقاد وبكفالة استقلال كامل للقضاء الذي هو الحصن الأول والأخير للمجتمع. إن البناء الهندسي لدستور سنة1971 متماسك البناء بشكل قاطع ومعقد لتمحور جميع السلطات حول موقع رئيس الجمهورية وبيده وحده في ظل: سلطة تنفيذية طاغية سلطة تشريعية تابعة سلطة قضائية غير مستقلة ووأد للحقوق والحريات العامة وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية ووأد للتعددية السياسية بتعمد مسبق لوأد الأحزاب السياسية. أسقطت الثورة النظام السياسي بدستوره ومؤسساته وتوحدت السلطات التنفيذية والتشريعية في المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي استمد أساس وشرعية كيانه وسلطاته من شرعية الثورة التي أسقطت النظام السابق بأكمله. إن ثورة25 يناير أنجزت ما استهدفته بسقوط النظام السياسي علي النحو السابق. وهذه أول مرحلة في الطريق إلي الديمقراطية. كلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة لجنة لإدخال تعديلات علي الدستور الذي سقط, والساقط لا يعود, فأدخلت التعديلات علي عشر مواد لم تغير من بناء الدستور شيئا وإنما زادته تشوها في بنائه وهي اختصار لمجمل المواد محل التعديلات وآية ذلك: أولا: شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية المادة76 فرضت في شقها الأول الحصول علي تأييد ثلاثين عضوا من أعضاء مجلسي الشعب والشوري مع غياب مطلق لما سوف تنتجه انتخابات المجلسين من نتائج وكان يكفي تأييد عدد من المواطنين من خمس عشرة محافظة في حدود عشرة آلاف وبالرجوع إلي الشعب مصدر السلطات. عادت لجنة تعديلات الدستور إلي ما يسمي بلجنة الانتخابات الرئاسية الموجودة في الدستور الساقط بتشكيله وحصانة قراراته التي كانت موجودة في الدستور الساقط وحصنت قراراتها بالنص علي أنه لا يجوز التعرض لقراراتها بالطعن عليها أمام أي جهة أو وقف تنفيذها ونهائية هذه القرارات وعدم جواز وقف تنفيذها... وهذا أمر في منتهي الخطورة إذ إن قرارات هذه اللجنة هي قرارات إدارية بطبيعتها, ومن ثم فإن دسترة عدم الطعن فيها أمام القضاء الإداري يتصادم مع المادة68 من الدستور الساقط التي تكفل أن التقاضي حق مضمون ومكفول للناس كافة... ويحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء حتي لو كانت الحصانة الدستورية تضمنتها المادة76 من الدستور هو القانون الأسمي في الدولة ويجب أن يكون قدوة للعملية التشريعية بأكملها. كما أن هذه الحصانة تتصادم مع المادة172 من الدستور الساقط التي تنص علي أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة يختص بالفصل في المنازعات الإدارية. ومن قبل ومن بعد يتصادم هذا التعديل مع أسس الشرعية والمشروعية. ثانيا: انتهي التعديل المقترح للمادة76 من الدستور الساقط إلي عرض مشروع قانون الانتخابات الرئاسية علي المحكمة الدستورية العليا لبحث مدي دستوريته. وقد أفضي ذلك إلي تفهم المحكمة الدستورية بأنها تملك الرقابة المسبقة. وهذا أمر غير صحيح طبقا للمادة175 من الدستور الساقط وخرجت المحكمة الدستورية العليا عن ولايتها في هذا الصدد بحكمها الصادر في القضية الدستورية العليا رقم188 لسنة27 قضائية بتاريخ15 يناير2006 حيث أجازت لنفسها حق الرقابة السابقة وهو أمر يجاوز ولايتها بجانب أن الرقابة علي دستورية القوانين لا تكون إلا علي قانون وليس مشروع قانون. ثالثا: تعديل المادة88 خلط بين السلطة القضائية وهي القضاء العادي والإداري والدستوري وما سماه أعضاء من هيئات قضائية. رابعا: تعديل المادة93 حيث أعطي التعديل المقترح للمحكمة الدستورية العليا حق الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب ويجب البعد بالمحكمة الدستورية عن هذا الموضوع فعدد أعضائها القليل لا يسمح لها بذلك, بجانب أن ذلك إقحام للمحكمة الدستورية في غير ولايتها. ودون أن يحدد هذا التعديل المختص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشوري. بجانب أن هذا التعديل الباطل اعتدي علي اختصاص أصيل لمحكمة النقض مستقر عليه منذ نحو مائة عام وفق دستور1923, بل وإضافته إلي ما تقدم فإن تعيين رؤساء المحكمة الدستورية العليا منذ2001 مطعون عليه لمخالفته المادة الخامسة من قانون المحكمة نفسها. ثم إن المحكمة الدستورية العليا عاجزة عن القيام بولايتها حيث تستغرق الدعوي الدستورية فيها نحو عشر سنوات. خامسا: تعديلات المواد189,148, و189 مكرر لا نوافق عليها مطلقا حيث زادت من تشوهات الدستور الساقط بجانب أنها حجبت إرادة الشعب الذي يملك السيادة وحده. إن هذه التعديلات باطلة حيث ترد علي دستور ساقط, ومن ثم تمثل التفافا حول شرعية الثورة. حقق الشباب الثورة فبقي إنجاز مطالبهم المشروعة لتري الواقع الفعلي. وبعد: إن ثورة الشباب تستلزم وجوبية إعداد دستور جديد لمصر يليق بها بمواد لا تزيد علي خمسين مادة تقنن شرعية الحقوق والحريات العامة بما في ذلك حرية تكوين الأحزاب وتداول السلطة بالأخذ ببعض مبادئ النموذج البرلماني بمجلس تشريعي واحد برئيس يتم انتخابه هو ونائبه علي ورقة واحدة مع تحديد دقيق للمحاسبة والمساءلة والمسئولية وذلك عن طريق لجنة لا يزيد عددها علي أربعين عضوا من المفكرين والكتاب والقضاة وبعض أساتذة القانون يتم اختيارها من شخصيات مستقلة لها احترامها واستقلالها وعدم ارتباطها بأية أجندات أو تبعية أي من أعضائها إلي أحزاب أو فئات أو جماعات وذلك لن يستغرق أكثر من شهرين. يتم طرحه للمناقشة والحوار وعلي ضوء ذلك تتم إعادة صياغته وفق نتائج الحوار حوله, ثم يعرض للاستفتاء وهذا هو المطلوب إنجازه. بجانب سرعة التحقيق في سرقة مصر بأكملها وبمحاكمات عادلة وسريعة ناجزة منصفة. وحكومة قوية فعالة وليست قوالة بإنجازات متكاملة.